للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال الشعراني: "فإن أردت يا أخي عدم الإنكار فأجل مرآة قلبك فإنك تشهد المتصوفة من خيار الناس ويقل إنكارك وإلا فمن لازمك كثرة الإنكار لأنك لا تنظر في مرآتك إلا صورة نفسك" (١).

وقد وصف المتصوفة المنكر عليهم بأوصاف قبيحة.

يقول ابن عجيبة في معرض حديثه عن علوم المتصوفة التي تلقى عليهم من قبل الله عز وجل وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص فإذا سمعها العوام أنكروها ثم قال: " ومن جهل شيئا عاداه"

وضرب المثل العربي المعروف والذي هو: " ومن يكن ذا فم مر مرير يجد مرا به الماء الزلالا"

واستشهد بقول البوصيري:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم

ثم قال: "وقال مشايخ الطريقة: المنكر علينا كالعنين ينكر شهوة الجماع والمزكوم ينكر رائحة المسك الأذخر والمحموم ينكر حلاوة السكر وفي مثلهم قال الشاعر: وكم عائب ليلى ولم ير وجهها فقال له الحرمان حسبك ما كان (٢).

ومن هذه النصوص يتضح لنا بأن المتصوفة يعتبرون غيرهم كالمرضى لأنهم لا يعلمون شيئا عن علومهم المزعومة التي هي تختلف تماما مع العلوم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك يعتبرون كل من ينكر عليهم كالمريض الذي يقول للحلو مر لعلة فيه مع سلامة الشيء وبقائه على حلاوته ولذا شبه المتصوفة المنكرين كالمرضى وهذه استهانة بعلماء المسلمين وبالشريعة الإسلامية في آن واحد فالعلماء لا ينكرون على المتصوفة إلا إذا وقعت منهم مخالفة صريحة لنصوص الشريعة الإسلامية لأن المنكر ما أنكرته الشريعة والمعروف ما قالت عنه الشريعة أنه معروف.

والحقيقة أن المتصوفة يضربون هذه الأمثلة للتشنيع بالشريعة والعلماء في آن واحد لأنهم يعلمون بأن علومهم في نظر الشريعة الإسلامية وعلمائها ما هي إلا أضغاث أحلام ولذا يضربون هذه الأمثال لتنفير الناس عن علماء الأمة الإسلامية.

ونحن نقول إن أي إنسان يرتكب أمرا مخالفا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن ينكر عليه كائنا من كان ولا عبرة بمن يقول إنه يفعل هذا الفعل لأنه أوحي إليه من الله وأمره بفعله فإن هذا كذب وبهتان وافتراء على الله فلا نبوة بعد نبوة سيدنا محمد بن عبدالله ولا شريعة بعد شريعته فالنبوة قد ختمت والشريعة قد كملت فكل من يريد أن يأتي إلينا بتشريعات جديدة يجب أن يرد بحزم ويؤمر بتوبة فإن تاب وإلا فيجب أن يقطع عنقه حتى لا ينشر فساده لأن ادعاء تلقي علما آخر يحل ما حرمته الشريعة أو يرحم ما أحلته الشريعة ليس بأمر سهل بل أمر خطير جدا يؤدي بصاحبه إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ويفتح الباب على مصراعيه لكل دجال أفاك كذاب يكيد للإسلام والمسلمين.

موقف المتصوفة من القرآن الكريم:

أما موقف المتصوفة من القرآن الكريم فقد فسروا القرآن الكريم تفسيرا باطنيا يختلف تماما مع التفسير الذي فسره به السلف وعلماء الأمة الإسلامية عبر التاريخ وبعيدا كل البعد عن المعاني التي تدل عليها الألفاظ عند العرب وذلك من أجل إخضاع الآيات القرآنية لعقائدهم الفاسدة وإليك نماذج من تفسيرهم الباطني حتى تعرف بأن المتصوفة من ألد الأعداء لكتاب الله عز وجل.

يقول محيي الدين بن عربي في تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [البقرة: ٦] قال: " إيجاز البيان فيه:

يا محمد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أي ستروا محبتهم في عنهم

فسواء عليهم أأنذرتهم بوعيدك الذي أرسلتك به


(١) ((لطائف المنن)) للشعراني (ص: ١٢٥).
(٢) ((الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية)) على هامش ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) (١/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>