للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بكلامك فإنهم لا يعقلون غيري وأنت تنذرهم بخلقي وهم ما عقلوه ولا شاهدوه"

ثم قال: "وكيف يؤمنون بك يا محمد وقد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعا لغيري وَعَلَى سَمْعِهِمْ فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواي" (١)

ثم قال مرة أخرى في تفسير نفس الآيات حيث أراد أن يوضح تفسيره جيدا فقال:

"انظر كيف أخفى سبحانه أولياءه في صفة أعدائه وذلك أنه لما ابتدع الأمناء من اسمه اللطيف وتجلى لهم من اسمه الجميل فأحبوه تعالى والغيرة من صفات المحبة في المحبوب والمحب بوجهين مختلفين فستروا محبته تعالى غيرة منهم عليه كالشبلي وأمثاله وسترهم الحق بهذه الغيرة عن أن يعرفوا فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أي ستروا ما بدا له في مشاهدتهم من أسرار الوصلة فقال: لا بد من أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي فهو كذلك ..

خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ من سناه إذ هو النور وبهائه إذ له الجلال والهيبة فأبقاهم الحق غرقى في بحور اللذات بمشاهدة الذات فقال لهم: لا بد لكم من عَذَابٌ عظِيمٌ.

فما فهموا ما العذاب لاتحاد الصفة عندهم فأوجد لهم الحق علم الكون والفساد وعلمهم جميع الأسماء وأنزلهم على العرش الرحماني وفق عذابهم وقد كانوا مخبوئين عنده في خزائن غيوبه فلما أبصرتهم الملائكة خرت سجودا لهم فعلموهم الأسماء فأما أبو يزيد فلم يستطع الاستواء ولا أطاق العذاب فصعق من حينه فقال تعالى: "ردوا عليّ حبيبي فإنه لا صبر له عني".فحجب بالشوق والمخاطبة وبقي للكفار فنزلوا من العرش إلى الكرسي فنبتت لهم المقدمان فنزلوا عليهما من الثلث الباقي من ليلة هذه النشأة الجسمية إلى السماء الدنيا " النفس" فخاطبوا أهل الثقل الذين لا يقدرون على الوجد هل من داع فيستجاب له هل من تائب فيتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له" (٢).

ويقول في تفسير قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ [النور: ٣٥].قال: " فشبه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه تعالى قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء" (٣).

ونكتفي بهذه النماذج لإثبات أن المتصوفة فسروا القرآن الكريم بأهوائهم من أجل أن يوافق معتقدهم الفاسد وهذا يتضح لنا من خلال تفسيرات ابن عربي التي أوردناها كنماذج فقط فابن عربي في تفسره للآية الأولى حاول أن يثبت وحدة الأديان وأنه ليس هناك مؤمن ولا كافر بل الكل رب لأن هذا العالم كله مظاهره ومجال لله سبحانه وتعالى حسب زعمه.

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ [النور: ٣٥] فقد فسرها كما رأينا تفسيرا باطنيا باطلا بعيدا كل البعد عن المعنى الذي تدل عليه الآية.

وهو لجأ إلى هذا التفسير كما هو واضح من أجل أن يثبت عقيدته التي يعبر عنها بالحقيقة المحمدية رغم أن الآية بعيدة كل البعد عن التفسير الذي فسرها به ابن عربي فالرسول بشر ولد من أب وأم معروفين وليس هو مخلوق من نور كما يزعم المتصوفة الأفاكين ومناقشة عقيدة المتصوفة تجاه الرسول لها باب خاص في البحث فلا داعي لمناقشتها هنا.


(١) ((الفتوحات المكية)) (٢/ ٢٠٦).
(٢) ((الفتوحات المكية)) (٢/ ٢٠٨).
(٣) ((الفتوحات المكية)) (٢/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>