للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا يتضح لنا بأن المتصوفة حاولوا أن يخضعوا معاني القرآن لتوافق معتقدهم الفاسد وذلك عن طريق التأويلات الباطلة.

أما السنة فإنهم بعيدون عنها كل البعد فهم دائما تراهم يحبون البدع وينشئونها ويشجعون عليها ويروون لتأييدها أحاديث وينسبونها إلى الرسول كذبا وزورا فهم قوم هلكى غرقى في البدع والخرافات بل هم وكر البدع والخرافات وناشروها في الأمة الإسلامية.

موقف العلماء من تقسيم المتصوفة الدين إلى شريعة وحقيقة.

قد رفض علماء الأمة الإسلامية تقسيم الدين إلى شريعة وحقيقة واستنكروها وإليك نماذج من أقوالهم حتى تعلم بأن المتصوفة ما أتوا بهذا التقسيم إلا لتأييد مذهبهم الباطل حتى لا يحتج عليهم الناس بالنصوص فيبطلون ما هم عليه من الأعمال المخالفة للنهج الإسلامي.

فقد قال الإمام ابن القيم مستنكرا قول المتصوفة بأن هناك علما باطنا وظاهرا: "ومن كيد الشيطان ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات وأبرز لهم في قالب الكشف من الخيالات فأوقعهم في أواع الأباطيل والترهات وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات وأوحى إليهم أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى الكشف العياني وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا وأهل الرئاسة والفقهاء وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء حتى ينقش فيه الحق بلا واسطة تعلم فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول نش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الأباطيل وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفا وعيانا فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا لكم العلم الظاهر ولنا الكشف الباطن ولكم ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة ولكم القشور ولنا اللباب فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات وأوهمهم أنها من الآيات البينات وأنها من قبل الله الهامات فلا تعرض على السنة والقرآن ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم" (١).

وقال ابن إسماعيل في معرض نقده للمتصوفة والتحذير منهم: "فالله الله في الإصغاء إلى هؤلاء الفرغ الخالين من الإثبات وإنما هم زنادقة جمعوا بين مديح العمال مرقعات وصوف وبين أعمال الخلعاء الملحدة أكل وشرب ورقص وسماع وإهمال لأحكام الشرع ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاءوا بوضع أهل الخلاعة. فأول ما وضعوا أسماء وقالوا حقيقة وشريعة وهذا قبيح لأن الشريعة ما وضعه الحق لمصالح الخلق فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمغرور مخدوع" (٢).

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله.

"وقد فرق كثير من الصوفية بين الشريعة والحقيقة وهذا من قائله لأن الشريعة كلها حقائق".ثم قال: "وقد أنكر جماعة من قدمائهم في إعراضهم عن ظواهر الشرع" (٣).

ومن هذه النصوص التي أوردتها عن الأئمة الكبار من علماء الأمة الإسلامية يتضح لنا بأن ادعاء الصوفية تقسيم العلم إلى حقيقة وشريعة فقط فهي الحقيقة عندنا ولكن في الإسلام عندنا أعمال القلوب وأعمال الجوارح وهذه كلها موجودة في الشريعة الإسلامية ولذا نقول للمتصوفة لا يمكن أن تصلوا إلى الحقيقة خارج الشريعة فإن كنتم تبحثون عن الحقيقة بالفعل فارجعوا إلى الشريعة التي جاء بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم فهي الحقيقة لا غير.

الانحرافات التي وقع فيها الصوفية بسبب هذه القاعدة:

إن المتصوفة قد وقعوا في انحرافات عديدة بسبب هذه القاعدة التي وضعوها وهي القول بأن الحقيقة تختلف عن الشريعة ومن هذه الانحرافات التي وقعوا فيها ما يلي:

١ـ اتهام الرسول بأنه خص أناسا بعلم خاص وهذا يترتب عليه اتهامه بكتمان ما أنزل إليه والواجب تجاه الرسل الاعتقاد بأنهم قد بلغوا ما أمرهم الله به.

٢ـ تعطيل وظيفة الأمر والنهي عن المنكر بحجة أنه نزل عليهم علوم تختلف عن علم الشريعة ولذا لا ينبغي أن ينكر عليهم.

٣ـ ادعاء التلقي عن الله مباشرة وهذا يؤدي إلى القول بعدم ختم النبوة وهو انحراف عقدي خطير.

٤ـ الاستهزاء بعلماء الأمة الإسلامية والتقليل من شأنهم ووصفهم بأنهم عوام وبأنهم محجوبون بظواهر الشريعة عن علوم الحقيقة.

٥ـ تفسير القرآن الكريم بأهوائهم وتأويله بحيث يؤيد معتقدهم إلى جانب تحريفهم لمعاني السنة النبوية وتصحيح الأحاديث كثيرة كذبا وزورا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتأييد معتقدهم الفاسد كما مر بنا بعضها في موضوع تفريق الصوفية بين الحقيقة والشريعة.

المصدر:مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس – ١/ ١٠٩


(١) ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) لابن القيم (١/ ١١٩).
(٢) ((تلبي إبليس)) لابن الجوزي (٣٧٤).
(٣) ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>