للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنعرض هذا المعتقد الصوفي على الكتاب والسنة لنرى هل أتوا بهذا المعتقد من عند أنفسهم أم أخذوه من الكتاب والسنة. فنقول أولا: إن ادعاء المتصوفة بأن أول ما خلق الله نور الرسول صلى الله عليه وسلم غير صحيح بل هو ادعاء باطل وكذب محض وليس لهم أي دليل يستندون عليه لإثبات دعواهم هذه سوى الحديث الموضوع والذي نصه ((أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)) (١). والحديث الموضوع لا يصلح أن يكون دليلا لإثبات قضية عادية فضلا عن أن يكون دليلا لإثبات قضية عقدية ولهذا نقول إن المتصوفة أتوا بهذا المعتقد من عند أنفسهم ليضللوا به العوام عن المعتقد الصحيح الموجود في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس مخلوقا من نور كما يزعمون بل خلق مما يخلق منه البشر ولكن الله فضله بالرسالة وجعله خاتم رسله وجعله أفضل مخلوقاته.

وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن أول مخلوق بشري هو أبونا آدم عليه السلام وبين لنا من أي شيء خلقه وذكر لنا المراحل التي مر بها أثناء إنشائه فقال تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:١٢ - ١٣]

والشاهد في الآية هو قوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ [المؤمنون: ١٢] والمقصود بها أصل الإنسان وهو أبونا آدم عليه السلام حيث خلقه الله من طين.

ومما يدل على أن أصل الإنسان من طين قوله تعالى إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:٧١ - ٧٢]

فهذه الآيات التي أوردتها وغيرها كثير كلها أثبتت لنا بأن أصل الإنسان من طين وأن أول مخلوق بشري هو أبونا آدم عليه السلام وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أحد أفراد ذرية آدم عليه السلام فأصله من تراب.

ولهذا نقول ونحن موقنون ومتأكدون مما نقوله بأنه حق وما عداه باطل بأن الرسول ليس أول مخلوق ولا هو مخلوق من نور كما تدعي الصوفية بل الرسول ولد من أب وأم قرشيين معروفين وهذا معلوم لدى الجميع إلا من أصيب بالمكابرة ومكانته العالية وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد فضله بالرسالة الخاتمة وجعله خير الخليقة على الإطلاق ولكن مع ذلك كله فهو عبدالله وقد وصفه الله بالعبودية له في آيات عديدة من كتابه سبحانه وتعالى منها:

قوله تعالى وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن: ١٩] ومنها قوله سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الإسراء: ١].


(١) أورده العجلوني في ((كشف الخفاء)) (٨٢٧) وعزاه إلى ((مصنف عبد الرزاق)) وليس الحديث في ((المصنف)) وزعم بعضهم أنه في القطعة المفقودة من المصنف وأنه وجدها وتبين كذبه وافتراؤه بما ليس هنا موضع بيانه، وعزاه أيضا اللكنوي في كتابه ((الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)) (١/ ٤٢) للمصنف أيضا وذكر أيضا أن الحديث ذكره القسطلاني في ((المواهب اللدنية))، وقال السيوطي في ((الحاوي في الفتاوى)) (١ - ٤٧٩) " ليس له إسناد يعتمد عليه"

<<  <  ج: ص:  >  >>