للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: ٢٣]

وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يقول أنه بشر مثلنا فقال تعالى قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: ١١٠].

وبعد أن سقنا هذه الأدلة وأبطلنا حجج المتصوفة بها نقول: أن الاعتقاد الواجب تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث خلقه هو أنه خلق كما يخلق البشر غيره من أب وأم ثم أكرمه الله سبحانه وتعالى وشرفه بالرسالة الخاتمة وجعله أفضل جميع الخلق على الإطلاق وما يعتقده المتصوفة من أنه خلق من نور فغير صحيح بل هو اعتقاد باطل وكذب محض أتوبه من عند أنفسهم لإفساد عقيدة المسلمين حتى ردوهم إلى أمة وثنية تعبد الأشخاص والأحجار والأشجار.

وبما أننا أبطلنا دعوى الصوفية بأن الرسول خلق من نور فلا حاجة لمناقشة الصوفية في ادعائهم الآخر وهو قولهم إن الكون خلق من نور محمد صلى الله عليه وسلم لأن الأساس الذي أقاموا عليه دعوتهم قد قدمناه وبينا بأنه كذب محض وأثبتنا بأن الرسول بشر خلق كغيره من أب وأم وولد كما يولد البشر فالادعاء الثاني وهو زعم المتصوفة بأن الكون خلق من نوره باطل أيضا لأنها ليس لها أي أساس تعتمد عليه وليس لهم برهان من الله ولا من رسوله على صحة دعواهم هذه.

والخلاصة أن الرسول ليس مخلوقا من نور وليس الكون مخلوقا من نوره كما تدعي المتصوفة بل هو بشر قد ولد من أب وأم قرشيين معروفين فضله الله بالرسالة الخاتمة وجعله أفضل الخليقة وادعاء الصوفية بأنه خلق من نور كذب محض ومصادمة صريحة مع نصوص الكتاب والسنة فيجب أن ترد عليهم ويضرب بها على وجوههم.

٢ـ الانحراف الثاني الذي وقع فيه المتصوفة هو قولهم بأن جميع الأنبياء فاضت عليهم العلوم من الرسول صلى الله عليه وسلم.

لقد بالغ المتصوفة في الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل بهم الأمر إلى ادعاء أن جميع الأنبياء فاضت عليهم العلوم من الرسول صلى الله عليه وسلم وإليك النصوص الدالة على هذا:

فقد قال أحمد مبارك ناقلا عن شيخه الدباغ: (وسمعته رضي الله عنه يقول مرة أخرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن سقوا من نوره لم يشربوه بتمامه بل كل واحد يشرب منه ما يناسبه وكتب له فإن النور المكرم ذو ألوان كثيرة وأحوال عديدة وأقسام كثيرة فكل واحد شرب لونا خاصا ونوعا خاصا" قال رضي الله عنه: " فسيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم شرب من النور المكرم فحصل له مقام الغربة وهو مقام يحمل صاحبه على السياحة وعدم القرار في موضوع واحد وسيدنا إبراهيم شرب من النور المكرم فحصل له مقام الرحمة والتواضع مع المشاهدة الكاملة فتراه إذا تكلم مع أحد يخاطبه بلين ويكلمه بتواضع عظيم فيظن المتكلم أنه يتواضع له وهو إنما يتواضع لله عز وجل لقوة مشاهدته وسيدنا موسى صلى الله عليه وسلم شرب من النور المكرم فحصل له مقام مشاهدة الحق سبحانه في نعمه وخيراته وعطاياه التي لا يقدر قدرها وهكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والملائكة الكرام والله أعلم) (١).

وقال البوصيري:

وإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

وكل آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم (٢)


(١) ((الإبريز)) لعبد العزيز الدباغ (ص: ٢٥٤).
(٢) ((بردة المديح)) للبوصيري (ص: ١٤ - ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>