فالنصوص المتقدمة تدل دلالة واضحة بأن الصوفية يعتقدون بأن جميع الرسل شربوا من نور الرسول صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم حسب ما يناسبه وأن جميع الرسل فاضت عليهم العلوم من نور الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن الصوفية ليس لهم دليل يستندون عليه لإثبات هذا المعتقد الباطل لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي دعوى مبنية على الهراء البحت فقط.
والرسل عليهم الصلاة والسلام لم تفض عليهم العلوم من الرسول كما يزعمون بل نزلت عليهم من الله عز وجل وحيا كما نزلت على الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ومما يدل على هذا قول الله عز وجل إِنَّا أَوْحَيْنَا إليك كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ [النساء: ١٦٣] فهذه الآية نص قاطع في أن جميع الرسل نزل عليهم الوحي من الله ولم تفض عليهم العلوم من نور الرسول كما يزعم الصوفية الكذبة.
وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه بأن رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف الكتاب ولا الإيمان قبل أن يوحي الله إليه فكيف أخذ الرسل منه العلوم التي أوحيت إليهم وفي هذا يقول الله عز وجل وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إليك رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْايمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: ٥٢] ومن هنا نقول ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يدري الكتاب ولا الإيمان قبل أن يوحي إليه الله عز وجل فمن باب أولى أن الرسل لم يأخذوا العلوم التي أوحيت إليهم منه بالإضافة إلى أن الرسل أوحي إليهم قبل أن يخلق الرسول صلى الله عليه وسلم ويظهر في الوجود ومن أجل هذا نقول إن دعوى الصوفية بأن الرسل أخذوا العلوم من نوره صلى الله عليه وسلم دعوى باطلة تماما وليس لها أي أساس تعتمد عليه.
٣ـ الانحراف الثالث الذي وقع فيه المتصوفة هو اعتقادهم بأن الرسول ينفع ويضر من دون الله والتوجه إليه بالدعاء والاستغاثة به:
لقد غلا المتصوفة غلوا مفرطا في الرسول صلى الله عليه وسلم حتى رفعوه من مقام العبودية إلى مقام الألوهية فقد توجهوا إليه بأنواع من العبادات التي لا ينبغي صرفها لغير الله عز وجل رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الغلو والإطراء فيه في أحاديث كثيرة وقد نهي الله عز وجل عن الغلو فقال تعالى قُلْ يَا أهل الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة: ٧٧] وإليك نماذج من كلام المتصوفة الذي يظهر فيه الغلو واضحا جليا وتشم منه رائحة الشرك العفنة المنتنة التي نهي عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته ونهي الله عنه في كتابه والذي يعتبر أكبر جريمة عصي بها الله عز وجل في هذا الكون على الإطلاق.
فقد قال محمد الفقي في كتابه (التوسل والزيارة) في إحدى قصائده والتي زعم أنها إحدى القصائد التي نظمها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم متوسلا به مستغيثا به وزعم أن الرسول تحدث معه بشأنها ونحن لا نريد إيراد القصيدة كلها هنا وإنما نريد أن نأخذ منها مقتطفات فقط لتكون لنا شواهد على ما نقول:
يقول في تلك القصيدة:
إلى مصدر الأنوار والأنس نهرعُ ... وفي الساحة العليا نحط ونفزعُ
حماك ملاذ اللاجئين وقصدهم ... يطوف به وفد وآخر يضرعُ
ألا يا رسول الله ما لي ملجأ ... سواك أناجيه وجاهك واسعُ
أناجيك في سري وأدعوك جهرة ... يهيجني وجد وشوق ومطمعُ
وليس بخاف أنني كنت دائما ... أروح بحبي في رضاك وأرجعُ