وبعد أن أوردنا هذه الآيات نقول إن كل من يتوجه إلى غير الله بالدعاء والاستغاثة وطلب قضاء الحوائج سواء كان المدعو ميتا أو حيا ولكنه غائب وسواء كان المدعو نبيا أو ملكا أو وليا يعتبر قد وقع في الشرك الأكبر الذي بعث الله الرسل لمحاربته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الرسالة السنية)
(فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى الإسلام ممن مرق منه مع عبادته العظيمة فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان أيضا قد يمرق وذلك بأسباب: منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث قال قُلْ يَا أهل الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمِْ [المائدة: ٧٧] وكذلك الغلو في بعض المشايخ بل الغلو في علي بن أبي طالب بل الغلو في المسيح عليه السلام فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول يا سيدي فلان انصرني أو أغنني أو ارزقني فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل فإن الله إنما أرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده ولا يدعى معه إله آخر والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو يعبدون صورهم يقولون أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: ٣] ويقولون وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ [يونس: ١٨] فبعث الله رسله تنهي أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة.
ولهذا نقول أن ما يعتقده المتصوفة تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه ينفع ويضر من دون الله وتوجههم إليه من العبادات التي لا ينبغي صرفها لغير الله عز وجل يعتبر شركا أكبر بالله عز وجل وقد اتضح لنا جيدا من خلال النصوص التي سقناها عن المتصوفة أنفسهم أنهم يتوجهون بطلب أو جلب منفعة من المنافع مع أن هذه الأشياء لا يقدر عليها إلا الله عز وجل في حياته فكيف بعد مماته والرسول صلى الله عليه وسلم قد نفى عن نفسه هذه المهام التي يزعم المتصوفة أنه بإمكانه أن يحققها كما في قوله تعالى قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: ١٨٨] وقال قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: ١١٠] فالآيات المتقدمة تكفي للرد على المتصوفة بأن ما يعتقدونه تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه ينفع ويضر ويعطي ويمنع ويفرج كرب المكروبين وهم المهمومين ويستجيب لمن دعاه باطل واعتقاد فاسد مخالف تمام المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو شرك محض لا علاقة له بالإسلام دين التوحيد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرح بأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وقد أخبر بأنه بشر وأن ميزته الوحيدة هي أنه يوحى إليه وأنه أفضل جميع الخليقة ولكن كونه أفضل جميع الخليقة لا يدعونا ذلك إلى أن ندعوه من دون الله ونرفعه إلى درجة الربوبية.