فالصوفية كما اتضح لنا في النصوص السابقة التي نقلناها عنهم يجوزن الاستغاثة بغير الله والالتجاء إلى غيره عند الشدائد والملمات مع أن الاستغاثة تعتبر عبادة لأن الاستغاثة هي طلب الغوث وهي بمعنى الدعاء وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز الاستغاثة بغير الله لأنها عبادة لا يجوز صرفها لغير الله سبحانه وتعالى بل يجب أن يعبد الله وحده ولا يشرك معه أحد غيره في عبادته سبحانه وتعالى وبما أن المخلوق ليس لديه القدرة على إغاثة من استغاث به فلا يجوز التوجه إليه بالدعاء وطلب الإغاثة إذا كان غائبا أو ميتا أما إذا كان حاضرا فيجوز طلب الإغاثة منه فيما يقدر عليه فقط وادعاء الصوفية بأن مشايخهم بإمكانهم إغاثة من استغاث بهم بعد مماتهم أو في حياتهم حال غيابهم يعتبر كذبا محضا وافتراء على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين لأن المغيث هو الله وحده لا شريك له أما من عداه فلا يستطيع أن يغيث أحدا وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى على أن أي مدعو من دونه لا يملك كشف ضر عن أحد أو تحويله عنه فقال تعالى قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً [٥٦: الإسراء] وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن المشركين دعوا شركاءهم فلم يستجيبوا لهم فقال تعالى وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ [القصص: ٦٤] وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن أي مدعو من دونه لا يملك شيئا ولو كان صغير الحجم قليل القيمة أو فاقد فقال تعالى وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: ١٣ - ١٤] فهذه النصوص القرآنية التي أوردتها تفيد بأن المدعو من دون الله سبحانه وتعالى لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن غيره فلذا لا يجوز دعاء غير الله عز وجل وكل من خالف هذه النصوص ودعا غير الله عز وجل يعتبر وقع في الشرك الأكبر والذي يعتبر أكبر ظلم عصي به الله عز وجل على الإطلاق وقد نهي الله عز وجل في كتابه عن دعاء غيره فقال تعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس: ١٠٦] وقال تعالى وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٨٨] وقال تعالى وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: ١٨] والله عز وجل لم ينهنا عن دعاء غيره ويتركنا هكذا حيارى بل أمرنا أن ندعوه وحده ولا نشرك معه أحدا غيره لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا وليا فقال تعالى وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: ١٨٦] وقال تعالى وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: ٦٠] إلى غير ذلك من الآيات التي تحثنا كلها على دعاء الله سبحانه وتعالى والالتجاء إليه والاستغاثة به عند الشدائد. وفي الحديث:((ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر ثم يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)) (١).