للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها قوله تعالى وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر: ١٢] والمعنى: أي على أمر قد علم في سابق علم الله سبحانه وتحتم وقوعه فوقع كما قدره الله سبحانه وتعالى.

ومنها قوله تعالى فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [النمل: ٥٧] ومنها قوله تعالى: مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [الأحزاب: ٣٨] ولهذا نقول إن الإيمان بقضاء الله وقدره أمر واجب على كل مسلم ومعنى الإيمان بقضاء الله وقدره هو أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل ما يقع في هذا الكون وقضاه وكل شيء قدره الله لا بد وأن يقع ولا يمكن لأحد كائن من كان أن يغير شيئا مما قدره الله سبحانه وعلى هذا تصبح دعوى الصوفية بأن الشيخ نزع الأرواح من ملك الموت ورجعت إلى أصحابها كذب وافتراء بحت وذلك لأن الله سبحانه قد قدر بأن هذه الأرواح ستموت في هذا اليوم وما دام قدر الله أن تموت في هذا الوقت فلا يمكن أن تعود هذه الأرواح إلى أصحابها إلا إذا قال الصوفية بأنهم يؤمنون بأن مشايخهم باستطاعتهم أن ينازعوا الله في قضائه وقدره والتصرف في هذا الكون وإذا قالوا بهذا فإنهم قد وقعوا في الشرك بالله في توحيد ربوبيته لأن من الأمور الواجب اعتقادها تجاه الله سبحانه وتعالى هو الإيمان بأن كل ما في هذا الكون تحت تصرفه سبحانه وتعالى لا يشركه فيه أحد ولا يستطيع أحد أن ينازعه مهما كانت مكانته لا نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا ولا وليا لأن الكل عبيد الله سبحانه وتعالى يتصرف فيهم كما يشاء.

٢ـ الانحراف الثاني الذي وقع فيه الصوفية بسبب غلوهم في مشايخهم هو الادعاء بأن لهم علوما خاصة يتلقونها عن الله وعن رسوله مباشرة:

لقد وصل الغلو بالصوفية إلى أن ادعوا بأن لمشايخهم علوما خاصة يتلقونها عن الله مباشرة تختلف تماما مع العلوم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه وادعوا أيضا بأنهم يتلقون علوما خاصة بهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسمون هذه العلوم علوم الخاصة أي علوما يختصون بها هم دون سائر الأمة الإسلامية وإليك الأدلة من بطون كتبهم:

قال صاحب (الرماح) الذي بهامش (جواهر المعاني) في الفصل الثاني والعشرين:

(إنهم لا ينطقون إلا بما يشاهدون ويأخذون عن الله ورسوله الأحكام الخاصة للخاصة لا مدخل فيها للعامة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يلقي إلى أمته الأمر الخاص .. ) ثم قال: (إن الكامل منهم ينزل عليه الملك بالأمر والنهي) (١). ونقل الشعراني عن ابن عربي أنه قال: (حدثني قلبي عن ربي أو حدثني ربي عن قلبي أو حدثني ربي عن نفسه بارتفاع الوسائط) (٢).


(١) ((الرماح بهامش جواهر المعاني)) (١/ ١٥٦).
(٢) ((لطائف المنن)) للشعراني (١/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>