للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عبدالرحمن بدوي: (ولا شك في تأثر الصوفية المسلمين ابتداء من القرن الخامس الهجري بما في (أرثولوجية) من آراء وإنما الخلاف هنا هو في هل وصل تأثيره إلى التصوف الإسلامي مباشرة أو عن طريق كتب الإسماعيلية وكلها حافلة بالتأثر به ويتلوه في الأهمية الكتب المنسوبة إلى هرمس وشخصيته بارزة التأثير عند السهروردي المقتول وابن عربي والأول خصوصا في فكرة الطباع التام الذي تأثر بها كل الإشراقيين بعد الهروردي والطباع التام هو (النور) ويسمى أيضا الروحانية والطبيعة الكريمة .. ومن النصوص المهمة المنسوبة إلى هرمس رسالة في معاذلة النفس التي نشرناها في كتابنا الأفلاطونية المحدثة عند العرب فهي مناجيات للنفس وتحليل لها وتأنيب للنفس الأمارة ودعوة للنفس من أجل التطهر والتقدس ومن السهل أن نجد أصداءا لها ومشابه في مناجيات الصوفية المسلمين ثم إن هناك فصولا منحولة لأفلاطون وسقراط وغيرهما من الفلاسفة اليونانيين معظمها آداب وأقوال وكلها تتشابه في بعض أرائها مع الأقوال المنسوبة إلى كبار الصوفية المسلمين في كتب طبقات الصوفية المختلفة كالقشيري والسلمي والشعراني والهروي والعطار والجامي وغيرهم.

ومن الكتاب الذين كتبوا عن التصوف وأقروا تأثره بالفكر اليوناني الوثني الدكتور أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني فقد قال متحدثا عن تأثر المتصوفة بالأفكار اليونانية: (ونحن لا ننكر اليوناني على التصوف الإسلامي فقد وصلت الفلسفة اليونانية عامة والأفلاطونية المحدثة خاصة إلى صوفية الإسلام عن طريق الترجمة والنقل أو الاختلاط مع رهبان النصارى في الرها وحران وقد خضع المسلمون لسلطان أرسطو وإن كانوا قد عرفوا فلسفة أرسطو على أنها فلسفة إشراقية لأن عبد المسيح بن ناعمة الحمصي حينما ترجم الكتاب المعروف بـ (أرثولوجية أرسطوطاليس) قدمه إلى المسلمين على أنه لأرسطو على حيث أنه مقتطفات من تاسوعات أفلاطون وليس من شك في أن فلسفة أفلوطين السكندري التي تعتبر أن المعرفة مدركة بالمشاهدة في حال الغيبة عن النفس وعن العالم المحسوس كان لها أثرها في التصوف الإسلامي فيما نجده من كلام متفلسفي الصوفية عن المعرفة وكذلك كان لنظرية أفلوطين السكندري في الفيض وترتيب الموجودات عن الواحد والأول أثرها على الصوفية المتفلسفين من أصحاب الوحدة كالسهروردي المقتول ومحيي الدين بن عربي وابن الفارض وعبد الحق بن سبعين وعبد الكريم الجيلي ومن نحا نحوهم ونلاحظ بعد ذلك أن أولئك المتفلسفة من الصوفية نتيجة اطلاعهم على الفلسفة اليونانية قد اصطنعوا كثيرا من مصطلحات هذه الفلسفة مثل (الكلمة) (العقل الأول) (العقل الكلي) (العلة والمعلول) وغير ذلك من المصطلحات الفلسفية اليونانية) (١).


(١) ((مدخل إلى التصوف)) أبو الوفا الغنيمي (٣٣ـ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>