للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العلماء الكبار الذين أثبتوا المتصوفة بالفلاسفة في عقائدهم الضالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد تلك عن سبب وقوع المتصوفة في القول بوحدة الوجود وأثبت أن سبب ذلك هو سلوكهم مسلك الفلاسفة وبعدهم عن الكتاب والسنة فقال: (ولهذا لما سلك ابن عربي وابن سبعين وغيرهما هذه الطرق الفاسدة أورثهم ذلك الفناء المذموم عن الوجود السوي فجعلوا الموجود واحدا ووجود كل مخلوق هو عين وجود الحق وحقيقة الفناء عندهم أن لا يرى إلا الحق وهو الرائي والمرئي والعابد والمعبود والذاكر والمذكور والآمر خالقه والآمر المخلوق وهو المتصف بكل ما يوصف به الوجود من مدح وذم وعباد الأصنام ما عبدوا غيره وما ثم موجود مغاير له ألبته عندهم وهذا منتهي سلوك هؤلاء الملحدين فحقيقة قولهم قول فرعون لأن فرعون كان في الباطن عالما بأن ما يقوله باطل وكان جاحدا مريدا للعدو والفساد ولهذا جحد وجود الصانع بالكلية وأما هؤلاء فجهال ضلال يحسبون أن ما يقولونه هو حقيقة إثبات هذا العالم ولا ينكر أن الموجودات تشترك في مسمى الوجود وإنما ينكر أن لهذا الوجود خالقا مباينا له ولهذا أمر ببناء الصرح ليكذب موسى بزعمه أن للعالم إلها فوقه كما حكى الله لنا في كتابه فقال وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ [غافر:٣٦ - ٣٧] وأكثر هؤلاء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود يقولون إن فرعون أكمل من موسى ...

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهؤلاء ليسوا مسلمين ولا يهودا ولا نصارى بل كثير من المشركين أحسن حالا منهم وهؤلاء أئمة نظار المتفلسفة وصوفيتهم وشيعتهم كان من أسباب تسلطهم وظهورهم هو بدع أهل البدع من الجهمية المعتزلة والرافضة ومن نحا نحوهم في بعض الأصول الفاسدة فإن هؤلاء اشتركوا هم وأولئك الملاحدة في أصول فاسدة يجعلونها قضايا عقلية صادقة وهي باطلة كاذبة مخالفة للشرع والعقل. (١).

ومن الكتاب الذين كتبوا عن التصوف وأكدوا تأثر المتصوفة بالفكر اليوناني الوثني كون قاسم غني الفارسي فقد قال: (وقد أثر في التصوف والعرفان ذيوع آراء أفلاطون وظهور الفلسفة الأفلاطونية الحديثة بين المسلمين أكثر من أي شيء وبعبارة أخرى أحرز التصوف الذي كان إلى ذلك الحين زهدا عمليا أساسا نظريا وعلميا وإذا دققنا في آراء الأفلاطونية الحديثة وجدنا أن الصوفي الزاهد الذي غض الطرف عن الدنيا وما فيها بحكم أنها فانية وتعلق خاطره بما هو خالد يشعر بلذة الرضى في فلسفة أفلوطين بل يحصل على منتهي غايته في تلك الآراء وموضوع وحدة الوجود في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة جذب أنظار الصوفية أكثر من أي شيء آخر لأن الذين يؤمنون بهذه العقيدة يرون أن العالم كله مرآة لقدرة الحق تعالى وكل موجود بمثابة مرآة تتجلى ذات الله فيها إلا أن المرايا كلها ظاهرة والوجود المطلق والوجود الحقيقي هو الله وينبغي على الإنسان أن يسعى حتى يمزق الحدب ويجعل نفسه محلا لتجلي جمال الحق الكامل ويبلغ السعادة الأبدية على السالك أن يطير بجناح العشق نحو الله تعالى ويحرر نفسه من قيد ودود الذي لي إلا مظهر فحسب وينمحي ويفنى في ذات الله أي الموجود الحقيقي) (٢).


(١) ((الرد على المنطقيين)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٥٢١ـ ٥٢٢ ـ ٥٢٣).
(٢) ((التصوف الإسلامي)) قاسم غني، ترجمة عربية صادق نشأت (١٤٢ـ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>