للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ومن الظواهر البارزة في هذه العقود، تيمورلنك والحركة التيمورلنكية، ننقل جملة موجزة عنه من (الفكر الشيعي والنزعات الصوفية): ... فقد بدأ تيمور علاقاته الشخصية بالصوفية ... اتصل في مطلع شبابه في (كش) بالشيخ شمس الدين الفاخوري، وفي خراسان بالشيخ أبي بكر الخوافي (ت: ٨٣٨ هـ)، ولما ارتفع نجم تيمور غلب عليه السيد محمد بركة (ت: ٨٠٤)، ولهذا روي عنه أنه كان يقول: جميع ما نلته بدعوة الشيخ شمس الدين الفاخوري، وهمة الشيخ زين الدين الخوافي والسيد محمد بركة. يضاف إلى هذا أن تيمور كان يزور الصوفية ويكرمهم أينما حل، ويزور قبور شيوخهم، حتى إنه لما فتح العراق، قصد إلى واسط، ليزور قبر السيد أحمد الرفاعي. وفي مقابل هذا كان الصوفية يدعون لتيمور ويؤيدونه، وبخاصة أنه لبس الخرقة منهم، فصار بذلك واحداً منهم، واعتبرت أعماله كرامات صوفية، وصار مظهر تجليات الحق الجمالية والجلالية، ووصفت أعماله كلها بصدورها عن الإلهام الإلهي والهاتف السماوي وأنباء الغيب (١) .... اهـ. كان تيمورلنك سني المذهب، نشأ في مجتمع سني على مذهب أبي حنيفة، وقد قاده تصوفه إلى التفاعل الكامل مع الطريقة الصفوية الشيعية، فعندما اتصل بشيخها صدر الدين موسى (ت: ٧٩٤ هـ) ابن صفي الدين وخليفته، أقطعه مدينة أردبيل وما حولها، فصار صدر الدين الحاكم الفعلي لأردبيل، بالإضافة إلى سلطته الصوفية المؤلهة، كما وهب ابنه وخليفته (علاء الدين علي) الأسرى الذين وقعوا في قبضته في حروبه في بلاد الروم (٢) سنة (٨٠٤هـ-١٤٠١ - ١٤٠٢م)، فسموا (الصوفية الرومللو). بينما نرى تيمورلنك هذا يجتهد في محاربة أهل السنة، وعندما ينتصر عليهم يعاملهم بقسوة بالغة، وخاصة دمشق التي أبادها إبادة كاملة، بحجة أن أهلها شاركوا في مقتل علي والحسين رضي الله عنهما، وأنهم من أتباع الأمويين.

يقول كامل مصطفى الشبيبي:

جمع تيمورلنك بين العاطفة الشيعية والفقه السني. ويقول: كان من الطبيعي أن تظهر في عهد تيمور حركات شيعية غالية، وذلك لغلبة التصوف وارتفاع شأن العلويين (٣).

ويحسن أن نذكر هنا أن (خدابندة) خليفة قازان، تشيع وأعلن التشيع في جميع مملكته، لكن ذلك لم يجد شيئا لندرة دعاة الشيعة في بلاده آنذاك؛ ولأن العقيدة لا يمكن أن تفرض بمرسوم يصدر عن الحاكم؛ ولأن هذا الإعلان دفع دعاة السنة إلى النشاط في الدفاع عن الإسلام، مات خدابندة (٧١٦هـ-١٣١٦م).

وفي القرن التاسع الهجري ظهرت الطرق التي كان لها الدور الحاسم والنهائي في تحويل الفرس إلى شيعة، هذه الطرق هي: النوربخشية، المشعشعية، النعمتللاهية، ثم الصفوية في دورها الثاني.


(١) ((الفكر الشيعي والنزعات الصوفية))، (ص:١٦٨، ١٦٩).
(٢) كانوا يطلقون على تركيا اسم (بلاد الروم)، والأسرى المذكورون كلهم مسلمون سنيون أتراك.
(٣) ((الصوفية بين الأمس واليوم))، (ص:١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>