تفرعت مباشرة عن البابية، إذن فجذورها صوفية، بالإضافة إلى الدور الرئيسي الذي لعبته الصوفية في نشأتها.
مؤسسها (بهاء الله) الميرزا حسين علي بن الميرزا عباس بزرك المازندراني النوري، ولد سنة (١٢٣٣هـ)، وكان يعاشر الصوفية ويتعب نفسه في قراءة كتبهم، انضم إلى البابية مع أوائل من انضم إليها، تنقل ورجع إلى طهران، ثم نفي إلى بغداد، واشتد الخلاف بينه وبين البابية، فهرب خفية إلى غار قريب من قرية (سركلو) التابعة لناحية (سورداش) في لواء السليمانية شمالي العراق، وأظهر هناك النسك والتصوف، وكان يحضر مجالس الصوفية كثيراً.
يقول صاحب كتاب (حقيقة البابية والبهائية):
... وهناك رافد آخر أثر في عقله وثقافته وأسلوبه، وهو المذاهب الصوفية، وبالأخص ما يتصل بوحدة الوجود والحلول والفناء، ولا غرابة في ذلك، فلقد خالط الصوفية منذ صغره، وتتلمذ على أيديهم ... وتأثير الكتابات الصوفية قد بلغ في أسلوب الميرزا حسين مبلغاً عظيماً، حتى إنك لا تكاد تقرأ صفحات من كتاباته إلا وتحسب نفسك أمام كتاب من كتب متطرفي الصوفية في معانيه ومبانيه ... اهـ.
وله كتب مقدسة، منها: الإيقان، والأقدس، والإشراقات، وغيرها.
وهذه نبذ من (إشراقات بهاء الله)، يقول مخاطباً البابيين: (يا ملأ البيان، ضعوا أوهامكم وظنونكم ثم انظروا بطرف الإنصاف إلى أفق الظهور، وما ظهر من عنده ونزل من لدنه، وما ورد عليه من أعدائه .. قد حبس مرة في الطاء، وأخرى في الميم، ثم الكاف مرة أخرى ... ).
من قوله في إشراقاته مخاطباً المسلمين: (قل يا ملأ القرآن قد أتى الموعد الذي وعدتم به في الكتاب، اتقوا الله ولا تتبعوا كل مشرك أثيم، إنه ظهر عليَّ شأن لا ينكره إلا من غشته أصحاب الأوهام وكان من المدحضين ... ).
ادعى الميرزا حسين أنه المسيح عيسى عليه السلام، ثم ادعى الربوبية، وقال: إن الله يتجلى عليه، فيفنى منه العرض، ولا يبقى إلا الجوهر الرباني الخالص، ومن هنا جاء لقبه: (بهاء الله)، ومن أقواله في ذلك: (يا حسين، اسمع النداء من شطر السجن، إنه لا إله إلا هو الفرد الخبير، إذا رأيت أنجم سماء بياني، وشربت رحيق العرفان من كأس عطائي، قل: إلهي إلهي! لك الحمد بما أيقظتني وذكرتني في سجنك، وأيدتني على الإقبال إليك، إذا أعرض عنك أكثر عبادك).
وأساس عقيدة البهائية أن الله (جل وعلا) ليس له وجود الآن إلا بظهوره في مظهر البهاء، وكان يظهر قبلاً بمظاهر تافهة في الديانات السالفة؛ لكنه بظهوره في البهاء الأبهي، بلغ الكمال الأعلى ... ويصرح البهائيون في كتبهم بأن الميرزا حسين البهاء هو ربهم (١).
المهم هو أن الصوفية وراء البهائية ومنشئتها.
وفي الختام:-
(كفرداعل) و (خان العسل) قريتان من قرى حلب، أهلها مسلمون حتى سبعينات القرن الرابع عشر الهجري، حيث وفد إليهما بعض النصيرية، وفيهم شيخان صوفيان: الشيخ حسين وأخوه الشيخ نصّوح، ولعلهما من الطريقة الجنبلانية، سلكا المريدين، وكانت تحدث على أيديهما بعض الخوارق، وفي سنين قد لا تتجاوز العشرين، كان أهل القريتين قد تحولوا إلى النصيرية مع مجموعات في القرى المجاورة.
مات الشيخ حسني (لعله في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري)، وبنوا له مقاماً يناسب المقام، ولعل أخاه الشيخ نصّوح لا يزال حياً حتى كتابة هذه الكلمات.
(١) ((حقيقة البابية والبهائية)) (ص:١٤٧، وما بعدها).