ومن قصصه التي يرويها شاهد عيان: ذهب الشيخ نصّوح إلى قرية (عَنَدان) القريبة من القريتين السابقتين لزيارة جماعة من مريديه الذين تحولوا إلى نصيرية على يده ويد أخيه، وبعد هدأة من الليل طلب من المجتمعين عنده الخروج معه إلى خارج القرية، وهناك أخبرهم أنهم سيقومون بغارة على إسرائيل؟ وأمرهم أن يفعلوا مثله.
وعادة، في الحقول والبيادر المحيطة بالقرى، يعينون الحدود بين العقارات بسلاسل من الحجارة الصغيرة (الدبش) يبنونها عليها.
أخذ الشيخ نصوح يتناول من هذه الحجارة الواحد بعد الآخر، ويقذفها باتجاه فلسطين مع ترديد صوت (رْرْرْرْرْرْرْرْرْ ... ) بصوت عال عندما ينطلق الحجر من يده، وصوت (بومْ مْ) عندما يسقط على الأرض.
وأخذ مريدوه يفعلون نفس الشيء، يأخذون الحجارة من سلاسلها، ويقذفونها باتجاه فلسطين، وكانت أصوات (رْرْرْرْرْرْرْ ... بومْ مْ ... رْرْرْرْرْرْرْرْ ... بومْ مْ) تنطلق في الفضاء مختلطة ببعضها مغطية على أصوات وقع الحجارة أو ارتطامها ببعضها. بقي الفقراء هكذا طيلة ساعات، زالت بعدها معالم الحدود بين العقارات، وتوعرت أراضي سيئي الحظ الذين كان نصيبهم أن يحصل هذا الجهاد في أرضهم.
بعد منتصف الليل، عاد المجاهدون إلى بيوتهم منهكين من التعب فرحين بما تيسر لهم من الجهاد في سبيل الله على يد شيخهم العظيم.
في الصباح، ذهب أحد المجاهدين إلى دكان بقال صديق في حاجة له، وأثناء الحديث أخبره بغزوة الليل، فما كان من البقال إلا أن طلب من صديقه البقاء في الدكان ريثما يعود، وخرج مسرعاً إلى البيت الذي ينزل فيه الشيخ نصوح، حيث وجد القوم مجتمعين عنده، فسلم وجلس بخشوع ظاهر، وبعد أن استأذن من الشيخ بالكلام قال له: يا سيدي، رأيت هذه الليلة حلماً شغلني، أريد أن أعرضه عليك، رأيت أني في إسرائيل، ورأيتك هناك، ومعك جماعة لم أتبين وجوههم، في أيديكم القنابل تلقونها على اليهود، وكانت كل قنبلة تقتل عدداً منهم.
انفلت الشيخ نصوح يصيح بصوت عال:(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أنت ولي، أنت مكاشف، تبركوا به يا مؤمنون هذا ولي مكاشف ... إلى آخر ما قاله. وعاد البقال إلى دكانه وقد ربح زبائن جدداً لبقالته.
ولعل قارئاً أو سامعاً يظن أن هذه حادثة شاذة، فنقول له: بل هي من صميم الصوفية، تورد كتبهم ما يشبهها عن أبي يعزى، وأبي مدين الغوث، وأبي الحسن الشاذلي، وأحمد البدوي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، وغيرهم الكثير، ولعل كثيراً من القراء سمعوا الأنشودة الصوفية: (الله الله يا بدوي وجا باليُسَرى)، أي: جاء بالأسرى ..
خلاصة ما سبق:-
الصوفية سبب أساسي في تمزيق المسلمين، ووراء المذاهب المنتشرة التي جعلتهم فرقاً وأشياعاً.
المصدر:الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص ٧٨٣ - ٨١٧