للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المنهج الإلزامي الدقيق كثيرا ما يستخدمه شيخ الإسلام، ومن ذلك قوله في مسألة الصفات التي أولها الأشاعرة، مثل صفة المحبة التي أولوها بإرادة الإنعام، لأنهم قالوا: إن المحبة ميل القلب إلى المحبوب وهذه صفة المخلوق، ولا يجوز أن تكون صفة لله، فهنا يقال لهم: يلزمكم في تأويلكم نظير ما لزمكم في المعنى الذي فررتم منه، فإنه يقال لكم في قولكم: إن المحبة إرادة الإنعام: ونحن لا نعلم من الإرادة إلا ميل النفس إلى المراد. فافعلوا في الإرادة ما فعلتم في المحبة فأولوها، أو فافعلوا في المحبة ما فعلتم في الإرادة فأثبتوها، وهكذا بقية الصفات.٧ - أما مسألة الكليات المشتركة التي تكون في الأذهان – وتوهم بعض الفلاسفة وأتباعهم أنها قد تكون موجودة في الأعيان – فإن شيخ الإسلام ناقشها طويلا (١)، وبين أثناء ذلك أن حجج هؤلاء مدارها على أن المطلق المشترك الكلي موجود في الخارج، قال: "وهذا هو الموضع الذي ضلت فيه عقول هؤلاء، حيث اعتقدوا أن الأمور الموجودة المعينة اشتركت في الخارج في شيء، وامتاز كل منها عن الآخر بشيء، وهذا عين الغلط" (٢). وفي (منهاج السنة) قال مجيبا عن هذا الاشتباه والغلط الذي وقع فيه الرازي والآمدي وغيرها: "وأما حل الشبهة فهو أنهم توهموا أنه إذا قيل: إنهما مشتركان في مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلابد له من مميز. وهذا غلط؛ فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي: يشتبهان في ذلك ويتفقان فيه، فهذا موجود، وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده البتة. وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقا كليا إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين ممتازة عن الأخرى (٣) "، ثم قال بعد مناقشة أهل المنطق: "فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم لغير الألفاظ، من جنس واحد، ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أن ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا. وإذا قال: نوعه موجود، أو الكلي الطبيعي موجود، أو الحقيقة موجودة، أو الإنسانية من حيث هي موجودة، ونحو هذه العبارات، فالمراد به أنه وجد في هذا نظير ما وجد في هذا أو شبهه أو مثله، ونحو ذلك. والمتماثلات يجمعها نوع واحد، وذلك النوع هو الذي بعينه يعم هذا ويعم هذا، لا يكون عاما مطلقا إلا في الذهن، وأنت إذا قلت: الإنسانية موجودة في الخارج، والكلي الطبيعي موجود في الخارج، كان صحيحا: بمعنى أن تصوره الذهن كليا يكون في الخارج، لكنه إذا كان في الخارج لا يكون كليان كما أنك إذا قلت: زيد في الخارج، فليس المراد هذا اللفظ، ولا المعنى القائم في الذهن، بل المراد المقصود بهذا اللفظ موجود في الخارج" (٤).


(١) انظر مثلا: ((درء التعارض)) (٥/ ٨٩ - ١٧٥)، وقد ذكر في ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٩٥) – ط جامعة الإمام -، أنه أفرد موضوع "الكليات" بمؤلف مختص بها لعموم الحاجة ولإزالة الشبهة، وقد ذكرها ابن القيم في ((أسماء مؤلفات ابن تيمية)) (ص: ٢٤).
(٢) ((درء التعارض)) (٥/ ١١٢).
(٣) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٨٨ - ٥٨٩) – ط جامعة الإمام -.
(٤) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>