للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم طبق شيخ الإسلام كلامه في مسألة الكليات على شبهة التشبيه التي أوقعت هؤلاء بقولهم بالمشترك اللفظي في مسألة الله وصفاته وما وافقها من أسماء المخلوقين وصفاتهم فقال: "وبهذا يتبين غلط النفاة في لفظ التشبيه؛ فإنه يقال: الذي يجب نفيه عن الرب تعالى اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق، أو أن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب، وأما إذا قيل: حي وحي وعالم وعالم، وقادر وقادر، أو قيل: لهذا قدرة ولهذا قدرة، ولهذا علم، ولهذا علم، كان نفس علم الرب لم يشركه في العبد، ونفس علم العبد لا يتصف به الرب، تعالى عن ذلك، وكذلك في سائر الصفات، بل ولا يماثل هذا هذا، وإذا اتفق العلماء في مسمى العلم، والعالمان في مسمى العالم، فمثل هذا التشبيه ليس هو المنفي، لا بشرع ولا بعقل، ولا يمكن نفي ذلك إلا بنفي وجود الصانع" (١).وليس هذا خاصا بالصفات التي أثبتها الأشاعرة، بل يشمل غيرها من الصفات كالنزول والاستواء والمجيء، فإثباتها لله، مع أن المخلوق قد يوصف بالنزول والاستواء والمجيء لا يقتضي المشابهة، والقول بأن ذلك من قبيل المشترك اللفظي يعطل هذه الصفات عن معانيها (٢).وقد بين شيخ الإسلام أن الآمدي – في مسألة الكليات المشتركة ووجودها في الأذهان – قد بين في كتابه (أحكام الأحكام) ما يناقضها، يقول: "والآمدي قد بين فساد هذا (أي المشترك الكلي وكونه قد يوجد في الأعيان) في غير موضع من كتبه، مثل كلامه في الفرق بين المطلق والمقيد والكلي والجزئي، وغير ذلك، وزيف ظن من يظن أن الكلي يكون جزءا من المعين، وبين خطأ من يقول ذلك كالرازي وغيره، فلو رجع إلى أصله الصحيح الذي ذكره في الكلي والجزئي والمطلق والمعين، لعلم فساد هذه الحجة، ولكن لفرط التباس أقوالهم وما دخلها من الباطل الذي اشتبه عليهم وعلى غيرهم، تزلق أذهان كثير من الأذكياء في حججهم، ويدخلون في ضلالهم من غير تفطن لبيان فسادها، كالرازي والآمدي ونحوهما: تارة يمنعون وجود الصور الذهنية، حتى يمنعوا ثبوت الكلي في الذهن، وتارة يجعلون ذلك ثابتا في الخارج" (٣).ثم ذكر شيخ الإسلام أن الآمدي في دقائق الحقائق أثبت المشترك الكلي في الخارج (٤)، وفي أحكام الأحكام نفاها ورد على الرازي (٥)، كما ذكر بأن الرازي نفاها أيضا في الملخص (٦)، وبيان هذا التناقض الذي وقع فيه هؤلاء هو جزء من منهج شيخ الإسلام في ردوده عليهم (٧).

٨ - وإضافة إلى ما سبق من ردود فإن شيخ الإسلام يبين هذه المسألة ويوضحها من خلال بيان منهج السلف في الصفات، القائم على إثبات هذه الصفات لله تعالى كما وردت من غير تمثيل ولا تكييف، ولا تحريف ولا تعطيل، ونظرا لأن هؤلاء إنما أوقعهم بالقول بالمشترك اللفظي الخوف من التشبيه، فقد أوضح شيخ الإسلام المسألة وبينها وضرب لذلك بعض الأمثلة المهمة:

(أ) فقد بين أن الأسماء والصفات نوعان:


(١) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٩٥ - ٥٩٦) – ط جامعة الإمام -.
(٢) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٠٠ وما بعدها). و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٢٣ وما بعدها).
(٣) ((درء التعارض)) (٥/ ١٢٠).
(٤) انظر: ((درء التعارض)) (٥/ ١٠٨ - ١١١).
(٥) انظر: ((درء التعارض)) (٥/ ١٢٠ - ١٢٥)، وكلام الآمدي في ((الأحكام)) ((٢/ ١٨٣ - ١٨٤)) – ت عبدالرزاق عفيفي-.
(٦) انظر: ((درء التعارض)) (٥/ ١٢٥ - ١٢٦)، وانظر أيضا: ٤/ ٢٤٨ - ٢٦١.
(٧) انظر ((درء التعارض)) (٥/ ١٢٥ - ١٢٦)، وانظر أيضا: ٤/ ٢٤٨ - ٢٦١، ((الصفدية)) (١/ ٩٩ - ١٠٣)، و ((مسألة الأحرف – مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٩٦ - ٩٧)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٣٧٨ - ٣٨٢)، و ((منهاج السنة)) (٤/ ١٥١ - ١٥٢) – ط بولاق -.

<<  <  ج: ص:  >  >>