للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوع يختص به الرب، مثل الإله، ورب العالمين، ونحو ذلك، فهذا لا يثبت للعبد بحال، ومن هنا ضل المشركون الذين جعلوا لله أندادا. والثاني: ما يوصف به العبد في الجملة، كالحي والعالم والقادر، فهذا لا يجوز أن يثبت للعبد مثل ما يثبت للرب أصلا، فإنه لو ثبت له مثل ما يثبت له للزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، وذلك يستلزم اجتماع النقيضين (١). وقد سبق تفصيل هذا في مبحث الألوهية والربوبية.

(ب) وبالنسبة للنوع الثاني مما يتفقان فيه، فهل يلزم منه التماثل؟ يوضح شيخ الإسلام ذلك ببيان أن هذه الأمور لها ثلاث اعتبارات:

أحدها: ما يختص به الرب، فهذا ما يجب له ويجوز ويمتنع عليه ليس للعبد فيه نصيب.

والثاني: ما يختص بالعبد، كعلم العبد وقدرته وحياته، فهذا إذا جاز عليه الحدوث والعدم لم يتعلق بذلك بعلم الرب وقدرته وحياته، فإنه لا اشتراك فيه. والثالث: المطلق الكلي، وهو مطلق الحياة والعلم والقدرة، فهذا المطلق ما كان واجبا له كان واجبا فيهما، ما كان جائزا عليه كان جائزا عليهما، وما كان ممتنعا عليه كان ممتنعا عليهما، فالواجب أن يقال: هذه صفة كمال حيث كانت، فالحياة والعلم والقدرة صفة كمال لكل موصوف والجائز عليهما اقترانهما بصفة أخرى كالسمع والبصر والكلام، فهذه الصفات يجوز أن تقارن هذه في كل محل – اللهم إلا إذا كان هناك مانع من جهة المحل لا من جهة الصفة -. وأما الممتنع عليهما، فيمتنع أن تقوم بهذه الصفات إلا بموصوف قائم بنفسه، هذا ممتنع عليهما في كل موضع فلا يجوز أن تقوم صفات الله بأنفسها، بل بموصوف، وكذلك صفات العباد لا يجوز أن تقوم بأنفسها، بل بموصوف" (٢).

وهذا المطلق الكلي الذي هو النوع الثالث، هو الذي من خلاله نفهم ما خطوبنا به، ولذلك فنحن نعلم مثلا أنه إذا وصف أحد بصفة، فإن هذه الصفة لابد أن تقوم بالموصوف، كما أننا نفرق بين صفة الحياة، والعلم والكلام، من غير أن يرتبط ذلك بتخصيص الموصوف بها، هل هو الخالق أو العبد، ولولا ذلك لكانت معرفتنا بأسماء الله وصفاته وآياته ألغازا وألفاظا أعجمية لا تفهم، ومن أراد أن يلتزم نفي التشبيه بنفي أي نوع من أنواع التشابه الذي يرد في المطلق الكلي فلابد أن يؤدي به الأمر إلى نفي وجود الخالق، ومتى أقر بوجود الخالق وأنه غير هذه المخلوقات لزمه شيء من هذا. (ج) ومن الأصول التي قررها السلف وركز عليها شيخ الإسلام أن القول في الصفات كالقول في الذات، يحتذى حذوه، فكما أن لله ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين، فكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين، وإذا كان إثبات الذات لله إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وهذا أصل عظيم، مقنع جدا لمن تدبره، وهو مرتبط بما سبق من صفات المخلوق تخصه كما أن له ذاتا تخصه، وكذلك ربنا تبارك وتعالى له صفات تخصه وتليق به كما أن له ذاتا تخصه، ولا يخلط بينهما إلا مشبه ممثل، أو معطل ملحد في أسمائه وصفاته يريد أن يجعل ذلك سلما لتعطيله وتحريفه (٣).

(د) ضرب المثل بنعيم أهل الجنة، وبالروح:


(١) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٩٦) – ط جامعة الإمام -، وانظر: ((الجواب الصحيح)) (٢/ ٢٣٢).
(٢) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٩٧ - ٥٩٨) – ط جامعة الإمام -.
(٣) انظر في بيان هذا الأصل: ((التدمرية)) (ص: ٤٣ - ٤٦) – ت السعوي -، و ((الفتوى الحموية – مجموع الفتاوى)) (٥/ ١١٤)، و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٣٠، ٣٥١) ـ، و (٠مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٥٥، ١٢/ ٥٧٥)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>