وكأن القائد معه عصاً سحرية، أو له قوة إلهية، وكأن الإسلام نزوة حاكم، وكأنهم نسوا قول الله سبحانه: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:١١]. ومن الأمثلة على النظرة الطفولية للأمور، سؤال كثيراً ما سمعناه، وهو: هل نحن الآن في عهد مكي، أو في عهد مدني؛ وكثيراً ما دارت النقاشات حول هذا التساؤل! وكأن التاريخ عبارة عن كليشة يكرر طبعها في كل مكان وزمان، وعلينا أن نعرف موضعنا من هذه الكليشة. ورغم أن هذا السؤال قد يصدر عن غير متصوفة، لكن ما كان يمكن قبوله لولا النظرة الطفولية التي انبثقت من التسليم للشيخ، وعدم القيام بأي عمل، بل وعدم التفكير بالقيام به أو التفكير بكيفية هذا القيام، وإنما يعرض الأمر على الشيخ، ويطبق ما يقوله حرفياً دون مناقشته أو حتى الاستفهام منه عن غريبه (من قال لشيخه: لِمَ؟ لا يفلح أبداً). وكان التقي الورع الذي يرجو الفلاح والذي كان يَنْظُر إليه على أنه نخبة الأمة، كان لا يفكر في أي أمر، وإنما يعرضه على الشيخ، ويطلب توجيهه المقدس، ويدعو الناس في وعظه وخطبه إلى مثل هذا.
ومن أخطر مظاهر هذه النظرة الطفولية الواضحة، إن لم يكن أشدها خطراً، هو مناقشة الأمور دون إدراك للعلاقة بين الأسباب والنتائج.
ومن المفاسد القاتلة التي انبثقت عن الصوفية قبول المتناقضات على أنها كلها صحيحة؛ لأن احترام الشيوخ وتقديسهم وتقديس أقوالهم كان طيلة قرون طويلة هو طريق النجاة والفلاح، وبطبيعة الحال، كانت أقوالهم متناقضة وساقطة بسبب جهلهم من جهة، ولأنهم كانوا يأخذون علومهم من الكشف والعلم اللدني من جهة ثانية، وبسبب الغرور الذي يسببه تقديس الناس لهم، والذي يجعلهم يعتقدون أن كل ما يجري على ألسنتهم من هذيانات هو من باب (حدثني قلبي عن ربي)؛ وكان الناس كلهم إلا من رحم الله، يعتقدون في الشيوخ هذا الاعتقاد ويطبقونه؟ لذلك كانوا يقبلون المتناقضات على أنها من عند الله، ولا تعترض فتنطرد، وكانت هذه الحالة من الأسباب الرئيسية في تشتت أفكار الأمة وتخبطها.
ومن مظاهر الفساد المدمر التي انبثقت عن الصوفية (الطبطبة) على المفاسد ومحاولة تبريرها، بل والإصرار على عدم وجودها ومهاجمة من يحاربها بأساليب شتى.
وطبعاً، انبثقت هذه الظاهرة من قاعدة: سلم تسلم، أو لا تعترض فتطرد.
ومن الفساد الذي سيطر على الأمة قروناً طويلة الازدواجية في العقيدة وفي التفكير التي كان يعيشها وعاظ الأمة وموجهوها ودعاتها، إلا من رحم الله، حيث كانوا يبطنون خلاف ما يظهرون، يبطنون وحدة الوجود وما يتفرع عنها، ويظهرون الشريعة الإسلامية التي يحاولون توجيهها لتتفق مع ما يبطنون.
وفي واقع الأمر كان هناك صراع خفي يتفاعل في ضمير كثير من العلماء الذين قبلوا الصوفية حيث كان يظهر هذا الصراع في كتابات بعضهم وفي أقوالهم وبعض أفعالهم، مثل ما نراه عند أحمد الفاروقي السرهندي وأمثاله الذين كانوا يتشددون في وجوب كتمان السر إلا عن مستحقيه، ويهاجمون من يصرح بالوحدة.
هذا موجز لدور الصوفية في تمزيق الأمة الإسلامية.
المصدر:الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص٨٢٨ - ٨٣٨