للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الصيادي والنبهاني أيضاً أن الرفاعي خرج مع أحد مرافقيه (الشيخ سعيد) في الليل فوصلا إلى بستان، فقال له الرفاعي: قف ههنا حتى أرجع. قال الشيخ سعيد: فوقفت مكاني حتى مضى من الليل شطره وهو لم يرجع. فمشيت على أثره لأعرف خبره، فإذا أنا بثيابه ملقاة على الأرض وعلى جانبه ماء، فجعلت أطوف يمينا وشمالا فلم أجده. فرجعت إلى موضعي وأنا مرعوب من ذلك إذ أقبل علي وأنواره تشرق، فسألته عن ذلك فقال: يا ولدي أنا كنت ذلك الماء الذي رأيته. نظرني العزيز سبحانه بعين اللطف فصرت كما ترى. يا سعيد لولا أن نظرني بعين اللطف لما رجعت إليكم أبدا». (١) ومثل هذه الأحوال نسبوها أيضا إلى غير الرفاعي، فقد ذكر الصيادي أن قوما جاءوا إلى الشيخ منصور البطائحي - خال الشيخ الرفاعي - فسألوه عن المحبة، فسكت ثم ذاب كما يذوب الرصاص قطرة بعد قطرة وهم ينظرونه حتى صار كالماء المائع. (٢)

وقد أخبرني أحد من اجتمعت بهم ممن رجعوا عن هذه الطريقة أنه قرأ في أحد كتب الرفاعية أن سبب ذهاب إحدى عيني الشيخ الرفاعي: أنه كلما جلس للعبادة والذكر يذوب ويتحول إلى ماء، فكان يجلس في طست لئلا ينتشر هذا الماء فيضيع شيء من بدنه. فكان أن جلس في الطست مرة وتحول إلى ماء إلا عيناه فإنهما بدتا وكأنهما كرتين، فدخلت ابنته ولعبت بإحداهما فعطبتها ومنذ ذلك الحين صار يرى بعين واحدة.

قال لي ذاك الأخ: فقلت في نفسي: أبلغت الخرافة في الدين إلى هذا الحد؟

قال: فأقبلت على الكتاب وما صح من السنة وخلعت عني أوهام التصوف.

- الرفاعي لا يأكل ولا يشرب

ومما حكوه عنه من الكرامات أيضاً امتناعه عن الطعام والشراب لأيام وأسابيع وشهور، بل وربما سنوات. فقد ذكر الصيادي أن الشيخ الرفاعي خرج إلى الحج ثم إلى المدينة. ومنذ خروجه من العراق إلى أن عاد إليها من الحج لم يأكل طعاما قط، ولم يتناول جرعة ماء واحدة. (٣)

وذكر أيضاً أنه بقي مرة نصف نهار لم يشرب ماء فوجد قدحا على التنور وفيه ماء وسخ من غسل الأيدي. فقالت له نفسه: قد عذبتني نصف النهار بالعطش وتسقيني من هذا الماء الوسخ؟ فلما رأى منها هذا العتاب ألقى القدح من يده وأقسم أن لا يذيقها الماء سنة كاملة، وفعل ذلك. (٤) ومع عدم الاقتناع بأن يبقى إنسان شيئاً يسيراً بلا ماء، فإن الظاهر أن سياق القصة مأخوذ من قصة أبي يزيد البسطامي مع الماء فإنه لا اختلاف بين القصتين بتاتا. (٥) وذكروا مثل هذه الكرامات لغير الرفاعي: فالشيخ أبو رفاعة المهدي الرفاعي بقي أربعين يوما متتالية لا يأكل ولا يشرب بل ولا ينام. ومع ذلك كله لم يغب عن أداء ما افترضه الله عليه. (٦) وكذلك السيد ولي الله «السكران» أبو محمد اليعقوبي الرفاعي كان كثيرا ما يمكث الستة أشهر لا يأكل طعاما ولا يشرب ماء. (٧) ولقد ضرب الشيخ عثمان بن مروزة البطائحي الرفاعي الرقم القياسي في الامتناع عن الطعام والشراب، حيث بقي بلا طعام ولا شراب سبع سنين. (٨)

فهل حصل مثل هذه الكرامة لنبي من الأنبياء فضلا عن أن تحصل لغيرهم؟

المصدر:الطريقة الرفاعية لعبد الرحمن دمشقية - ص ١٨ فما بعدها


(١) ((قلادة الجواهر)) (ص٨١)، ((جامع كرامات الأولياء)) ٢) / ٩٩).
(٢) ((قلادة الجواهر)) (ص ٢٨)، ((روضة الناظرين)) (ص (٢٢.
(٣) ((الكنز المطلسم)) في مد يد النبي لولده الغوث الرفاعي الأعظم ١٤)، ١٨) المطبعة العلمية ١٣١٣ مصر.
(٤) ((المعارف المحمدية)) في الوظائف الأحمدية: عز الدين الصيادي الرفاعي (٧٤) مطبعة محمد أفندي ١٣٠٥ القاهرة.
(٥) انظر ((الرسالة القشيرية)) (ص١٤) للشيخ أبي القاسم بن هوازن القشيري ط دار الكتاب العربي.
(٦) ((ذخيرة المعاد في ذكر السادة بني الصياد)) (ص ٢٢).
(٧) ((إرشاد المسلمين)) (ص١١٧).
(٨) ((جامع كرامات الأولياء)) (٢/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>