للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال صاحبه: والله على ما نقول وكيل؟ قال: نعم. قال: اعهد معي. فعهد معه وخلص العصفور». (١) لقد اعتاد المتصوفة ذكر مثل هذه الحكايات التي يعِدون فيها من شاؤوا بدخول الجنة. ومثل ذلك أيضاً ما يزعمه متصوفة آخرون عن مشايخهم كالتيجاني القائل: «وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل من رآني يدخل الجنة وإن كان كافرا». (٢) وكذلك قول أحد أتباعه: «رأيت شيخنا التيجاني بيده حلة، وقال لي: من رأى هذه الحلة دخل الجنة». (٣)

ولا شك أن الإسلام يأبى مثل هذه الأقاصيص التي تعلق الناس بغير الله وتجعل رجاءهم فيما عند المحتاجين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا وتقطع الرجاء فيما عند الغني الذي بيده الضر والنفع والثواب والعقاب لا بيد أحد سواه.

ونستطيع القول بأن صكوك ومواثيق دخول الجنة التي يذكرها المتصوفة عن مشايخهم قد سبقهم إليها النصارى، فقد اشتهر عن الكنيسة مثل هذه الصكوك المسماة «صكوك الغفران» والتي كانت تشبه في نصها هذا النص المنسوب إلى الشيخ الرفاعي. ولا يزال النصارى إلى اليوم يسخرون من مهزلة هذه الصكوك ويهزءون بسببها من الكنيسة، فليس للنصارى ولا للمتصوفة أن يتألوا على الله فيضمنوا الجنة لأحد من عباده. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف: ٣٢] , أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؟ [ص: ٩].

- الرفاعي يمرض ويجوع فداء للآخرين

إن فكرة تعذيب شخص فداء عن الآخرين قديمة تبنتها العديد من الديانات والمذاهب، وهي مشتهرة عند النصارى الذين زعموا أن المسيح عليه السلام تألم وتعذب من أجل الآخرين. وتعرف هذه الفكرة بمبدأ «الكفارة والفداء».

والجدير بالذكر أن هذه الفكرة تسربت إلى أصحاب الطريقة الرفاعية الذين جعلوا شيخهم يتحمل البلاء والمرض نيابة عن الآخرين. فقد ذكروا أن شيخهم مرض فقال: «أقبل على الخلق بلاء عظيم فتحملته عنهم واشتريته بما بقي من عمري فباعني». وكان يبكي ويقول: اللهم اجعلني سقف البلاء على هؤلاء الخلق. (٤) وكان يقول لخادمه يعقوب: ما وجد أحد من الفقراء أذى إلا وجدت ألمه في قلبي. (٥) ورأى أحدهم حال الشيخ الرفاعي من الجوع والفقر فقال في نفسه: «أولاد المشايخ يركبون الخيل ويلبسون الناعم، والسيد أحمد لا يركب الخيل ولا يلبس المليح ولا يشبع من الطعام. فعلم الشيخ بما خطر في نفسه وقال له: يا ولدي استغفر الله مما خطر لك، فلو لم يجع سيدك ما شبع أحد من المسلمين، ولا ركب فرسا ولا حمارا». (٦)

- الرفاعي يذوب ويتحول إلى ماء

ومن أعجب ما حكي عن الشيخ الرفاعي أنه كان يذوب كالرصاص ويستحيل إلى ماء كلما جلس يتعبد الله تعالى. فقد ذكر محمد أبو الهدى الصيادي أنه لما كان الله يتجلى على الرفاعي بالعظمة كان يذوب حتى يبقى بقعة ماء ثم تدركه الرحمة الإلهية فيجمد شيئاً فشيئاً حتى يعود بدنه إلى ما كان عليه فيقول لأتباعه: «لولا لطف الله ما عدت إليكم». (٧)


(١) ((قلادة الجواهر)) (ص٦٢)
(٢) (بغية المستفيد)) (ص٢١٦)، ((الدرة الخريدة)) (١/ ٨٠).
(٣) ((رماح حزب الرحيم على حزب الرجيم)) (١/ ١٨٢).
(٤) ((إجابة الداعي في مناقب القطب الرفاعي)) (ص٩) للشيخ إبراهيم البرنزحي، ط: المطبعة العامرة ببولاق مصر ١٣٠١.
(٥) ((قلادة الجواهر)) (ص ١٤٣).
(٦) ((روضة الناظرين)) (ص٥٩).
(٧) ((قلادة الجواهر)) (ص ٦٧)، ((اجابة الداعي)) (ص١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>