"فأهل الاختصاص جذبتهم يد المشيئة الربانية، بمحض الفضل والعناية الصمدانية، إلى أقصى المراتب العلية، وهذا المنح الباهر، والفضل الوافر، هو يوم حصتي، ومنصته منصتي، أقامني الله في هذه المنزلة إماماً، واختارني لرتبة هذه الخصوصية ختاماً، وكشف لي مخبآت الغيب باطلاع من كرمه، وجليل نعمه، ففهمت أسرار الرموز الفرقانية، وسبرت خفايا دقائق البطون القرآنية ولم تبرح تترقى همتي بكشف تلك الحجب اللطيفة، وبشق ديباجات هاتيك المحاضر الشريفة، فأنا اليوم ولربي الحمد والشكر وله الإحسان والبر، كنز الفيوضات الطاهرة المحمدية، وسجل العلوم المقدسة النبوية، وهذه النوبة نوبتي، تتقلب في ورّاث منزلتي، وخدام قدمي إلى ما شاء الله، بهذا بشرت من صاحب الوعد الصادق، وقرأته في صحف الرموزات العلوية التي طفحت بفائق الحقائق، سينشر علم ظهور حالي بعد هذا الخفاء في الأكوان، ويبرز بروز الشمس من بطن ليل الطمس للعيان، وتعكف على بابي القلوب والأرواح، ويسري سر إرشادي في الجبال والأودية والبطاح، ولم يمسس شأن نهجي المبارك غبار دنيوي، ولم يرجع منه حرف إلى قصد نفساني، بل كله لله، على منهاج رسول الله، عليه صلوات الله، لا يعبأ معناه بحال من أحوال هذه الدنيا الدنية، ولا يلتفت قائد حاله إلى مظاهرها الزائلة المطوية، وقد تفرغ رجال وراثتي حال النبي في الأمة، وتقوم بأطوار السادة القادة الأئمة، ومن رجالي وجه مولاي علي أمير المؤمنين، صهر النبي الأمين، الأسد البطين، ليث العرين، ولي هذا الخط الذي سيبرز، وكأني أراه على يد عبد يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، من البيت الفاطمي، والفرع الأمدي، خزامي الفصيلة، خالدي القبيلة، يجدد المجد العلوي، ويرفع قواعد البيت الرفاعي، ويمهد فخار العنصر الصيادي، ينبلج شارق طالعه قرب متكين، فيقوم كما أنا حيرة للمفتونين، وجاذبة للموفقين، ويترعرع مجده في ساحة الظهور، فيرتقي إلى الشهباء، ثم إلى فروق، وبها تظهره لوامع بروق، وفي بحبوحة تلك الترقيات، وسمو هاتيك المنصات، فالمفتون قادح، والمأمون مادح ونور الله ساطع، وفي فضاء الوجودات لامع، وما النصر إلا من عند الله، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله، ويقبل عليه من ارتضيناه وأعناه، وأسعفناه بمدد واجتذبناه، ولا يزال الأمر منبلج المظهر، ولذكر الله أكبر" أ. هـ منه بلفظه.
ولا يخفى على القارئ اللبيب كلمات هذا الصيادي أن وارثه سيجدد المجد العلوي، وأنه من البيت الفاطمي .. فكلها عبارات تنبئ عن المقصد والمعتقد.
ولعلنا لا نستغرب بعد ذلك ممن ترجم لهذا الصيادي الرفاعي بعد موته فقال عنه: قام السيد أبو الهدى رحمه الله مدة حياته الكريمة بأعمال جليلة نافعة ومآثر حميدة طيبة تبقى شافعة له عند ربه يوم اللقاء، وأعماله كانت منصبة على تعمير الأضرحة لآل البيت الكرام" (المجموعة النادرة ص٣٧، ٣٨).
المصدر:الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق