للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا يعلم خطأ استدلاله بالآيات في عدم الأخذ بالظن. إذ الظن فيها هو ما كان على سبيل التوهم غير المستند إلى دليل صحيح، ولذلك فهو نفسه لا يأخذ بها لرد الأحكام الفرعية العملية مع قوله بظنيتها، ومهما فسر الظن الوارد في الآيات فإن أخبار الصفات لا تدخل فيها، إذ هي إما متواترة أو مشهورة متلقاة بالقبول، فخرجت عن كونها ظناً ... الوجه الثاني للرازي: ذكر بأن أجل طبقات الرواية وهم الصحابة لا تفيد روايتهم القطع، فأولى ألا تفيد رواية غيرهم، ثم ساق أمثلة تبين أنه لا يمكن القطع برواية الصحابة منها أن عمر طعن في خالد وابن مسعود وأبا ذر بالغا في الطعن في عثمان، وكذلك عائشة طعنت فيه ... الخ (١).

والجواب: إن إطلاق الرازي عبارة (الطعن) يوهم أن ذلك كان بالقدح في العدالة – وليس الأمر كذلك –وإنما هي قضايا مخصوصة حصل فيها اختلاف في وجهات النظر والاجتهاد (٢)، فاعتبار مثل هذه القضية الخاصة قضية كلية يؤخذ بها، كلام لا يسلم له، إذ الواقع يبين أنه قد أخذ بعضهم عن بعض. ثم إن الرازي في كل ما سرده من أمثلة في التشكيك في بعض الروايات لم يأت بمثال واحد يفيد التشكيك في صحة أحاديث الصفات، ولو وجد لما قصر في ذلك إذ هو الذي يريده. فلما كان ذلك كذلك علمنا يقيناً أن أحاديث الصفات متلقاة بالقبول عند سلف الأمة، حتى نشأ أهل البدع فطعنوا فيها لما لم يجدوا طريقاً على تأويلها.

الوجه الثالث عند الرازي: قال الرازي: "إن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة موضوعة واحتالوا في ترويجها، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها بل قبلوها، وأي منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في ربوبيته؟ " (٣).

والجواب:


(١) انظر ((أساس التقديس)) (ص: ١٦٩ - ١٧٠).
(٢) ولا يخلو ما أورده الرازي عن أمرين: الأول/ إن بعض ما ذكره لم يثبت – كما ذكر الدارمي في رده على بشر (ص: ١٣٢). الثاني/ وإن الذي ثبت منها فهو يحتمل أموراً منها: أن بعض ما تشكك فيه بعضهم كان الظن وجود ما يعارضه من الشرع، فلم يكن شكهم مبنياً على قاعدة الرازي: "مخالفة العقول"، ومنها: أنهم كانوا يطلقون كلمة "كذب" بمعنى أخطأ. ومع ذلك كله فالأمثلة محدودة، وانظر ((الأنوار الكاشفة)) للمعلمي (ص: ١٧٠ - ١٧٢) و (٢٧٧ – ٢٧٨) وغير ذلك.
(٣) ((أساس التقديس)) (ص: ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>