للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الحسين بن منصور الحلاج كان من أصحاب أسياد الصوفية كـ " الجنيد " و"الشبلي" غير أنه كان أكثر الصوفية جرأة على إظهار العقيدة الباطنية الاتحادية للفكر الصوفي ولم يكتمها على نحو ما كان يوصي به أئمة التصوف. يقول الشبلي: «كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت» واعتبروا أن خطأه كان في إظهار ما كان يجب عليه كتمانه. (١).وقد أظهر الحلاج من كلمات الكفر ووحدة الوجود ما اضطر كثيرين من الفقهاء وحتى الصوفية إلى الفتوى بوجوب قتله كالجنيد حتى إن الرفاعي نفسه أيد من أفتى بقتله قائلا: «لو كنت في زمن الحلاج لأفتيت مع من أفتوا بقتله» «ولو كان على الحق لما قال أنا الحق .. ما أراه رجلا واصلا أبدا» (٢). مع أن السرهندي يعذره لقوله هذا بأن السكر قد غلبه (٣).ويروي القشيري أن الحلاج كان مصاحبا لعمرو بن عثمان المكي (أحد سادة التصوف) وكان مرة يكتب شيئًا فسأله عمرو عنه فقال: أكتب شيئًا أعارض به القرآن. فهجره ودعا عليه قائلا: «اللهم اقطع يديه ورجليه». ومن ثم قالوا: إن قتل الحلاج بطريقة الصلب وتقطيع الأيدي والأرجل إنما كان استجابة من الله لدعوة هذا الرجل (٤).

ومع ذلك فإن الصوفية يلمحون تارة بولائهم وتعظيمهم للحلاج وتارة يصرحون بذلك. ولكن بالرغم من ذلك كان القشيري والغزالي وغيرهما يستشهدون بكلامه في إثبات عقائد أهل السنة مما جعل الشعراني يؤكد أن القشيري إنما افتتح كتابه بالاستشهاد بكلام الحلاج لأجل إحسان الظن به. واحتج به الغزالي في إثبات أفضل مراتب التوحيد عند الصوفية وهي مرتبة «وحدة الوجود والفناء بالله».

وروى الشعراني عن شيخه أبي العباس المرسي أنه كان يكره من الفقهاء خصلتين:

١ ـ قولهم بكفر الحلاج.٢ ـ قولهم بموت الخضر (٥).

لقد كان الرجل من أعظم المصرحين بوحدة الوجود والفناء في ذات الله حتى أثر عنه ادعاء الربوبية، وضبطوا عليه كلمات قمة في الكفر كقوله «أنا الحق» و «سبحاني ما أعظم شأني» و «ما في الجبة الا الله».

وقوله:

مزجت روحك في روحي كما ... تمزج الخمرة في الماء الزلال

فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا في كل حال (٦)

وقوله (٧) الذي استحسنه الدوسري صاحب (الرحمة الهابطة):

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته أبصرتنا

وقد استحسنت أمهات كتب النقشبندية من الحلاج هذا البيت من الشعر الذي كان بهاء الدين يتمثل به وكان كلما ذكر اسم الحلاج قال «قدس الله سره» وهذا البيت هو:

كفرت بدين الله والكفر واجب ... لدي وعند المسلمين قبيح (٨)

فأي إسلام يرجى ويقبل ممن يستحسن هذا البيت ويتمثل به؟!


(١) كتاب ((الحلاج)) لطه عبد الباقي سرور (١٠٤). ((الرحمة الهابطة في ذكر اسم الذات وتحقيق الرابطة)) (٩٤).
(٢) ((حكم الرفاعي)) (١٦) ((المعارف المحمدية)) (١٠ و ٤٧) ((سواد العينين)) (١٢).
(٣) ((مكتوبات الإمام الرباني)) السرهندي (١٠٧).
(٤) ((الرسالة القشيرية)) (١٥١) وانظر ((ترياق المحبين)) (٦٦) ((سير أعلام النبلاء)) (١٤/ ٣١٦).
(٥) ((الرسالة القشيرية)) (٦) ((طبقات الشعراني)) (١/ ١٠٨) ((لطائف المنن والأخلاق)) (٤٧٩) ((إحياء علوم الدين)) (٤/ ٢٤٧).
(٦) ((البداية والنهاية)) (١١/ ١٣٤) ((تاريخ بغداد)) (٨/ ١١٥).
(٧) ((أخبار الحلاج)) (١٦) ((الطواسين للحلاج)) (١٣٤) ((تاريخ بغداد)) (٨/ ١٢٩). ((الرحمة الهابطة في ذكر اسم الذات وتحقيق الرابطة)) (ص ١١٢) بهامش المكتوبات.
(٨) ((الأنوار القدسية)) (١٣٤) ((الحدائق الوردية)) (١٣٤) واحتج ببيته مرة ثانية (ص ٢١٣) واحتج به السرهندي (ص ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>