للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتارة يحملونه في الهواء فيذهبون به إلى مكان بعيد، فمنهم من يذهبون به إلى مكة عشية عرفة ويعودون به فيعتقد هذا كرامة مع أنه لم يحج حج المسلمين: لا أحرم ولا لبى ولا طاف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ومعلوم أن هذا من أعظم الضلال" (١).وقد بين القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن اتصال الرسول بالناس قد انقطع بوفاته وأنه لا صلة له بالناس بعد أن أدى رسالة ربه وتوفاه الله تعالى. فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء: ١٠٤] وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي. فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح)) (٢)، وقال الألوسي: "ومعنى الجملتين إني ما دمت فيهم كنت مشاهدا لأحوالهم فيمكن لي بيانها فلما توفيتني كنت أنت المشاهد لذلك لا غيرك فلا أعلم حالهم ولا يمكنني بيانها" (٣).وعليه فإن ما يدعيه بعض الصوفية، كالختمية، من أنهم يتلقون علوما ومعارف عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة في الدنيا، ليس من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من تخييل الشيطان وتوهيمه – ويذكر ابن تيمية، أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يطمع الشيطان أن يضلهم كما أضل غيرهم من أهل البدع الذين تأولوا القرآن على غير تأويله، أو جهلوا السنة، أو رأوا وسمعوا أمورا من الخوارق فظنوها من جنس آيات الأنبياء والصالحين وكانت من أفعال الشياطين. فأهل الهند يرون من يعظمونه من شيوخهم الكفار وغيرهم، والنصارى يرون من يعظمونه من الأنبياء والحواريين وغيرهم، والضُّلال من أهل القبلة يرون من يعظمونه، إما النبي وإما غيره من الأنبياء يقظة، ويخاطبهم ويخاطبونه، وقد يستفتونه ويسألونه عن أحاديث فيجيبهم، ومنهم من يخيل إليه أن الحجرة قد انشقت وخرج منها النبي صلى الله عليه وسلم وعانقه هو وصاحباه، وهذا وأمثاله أعرف ممن وقع له هذا وأشباهه عددا كثيرا. وقد حدثني بما وقع له في ذلك، وبما أخبره به غيره من الصادقين من يطول هذا الموضوع بذكرهم. ولكن كثيرا من الناس يكذب بهذا، وكثيرا منهم إذا صدق به يظن أنه من الآيات الإلهية، وأن الذي رأى ذلك رآه لصلاحه ودينه، ولم يعلم أنه من الشيطان، وأنه بحسب قلة علم الرجل يضله الشيطان" (٤).


(١) ((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)) ابن تيمية، (ص٢٩).
(٢) رواه البخاري (٣٣٤٩) ومسلم (٢٨٦٠)
(٣) ((روح المعاني)) الألوسي، (٧/ ٦٩).
(٤) ((مجموع الفتاوى))، (٢٧/ ٣٩٢). بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>