للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه النقول المتنوعة من أدب مشائخ الختمية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هؤلاء القوم يظنون في أنفسهم أنهم يجيبون دعوة المضطر، ويتصرفون في الكون، ويكشفون حجب الغيب، وينفسون كربات المكروبين وأنهم وسيلة يتوسل بها لقضاء الحاجات وإجابة الدعوات وأن بهم تنال السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة. وإذا كان هذا هو ظن المشائخ بأنفسهم ودعواهم، فلا عجب أن نجد أن الطريقة في جملتها دائرة حول أشخاصهم فيتخذهم الأتباع واسطة بينهم وبين الله، ويتوسل بهم المريدون، ويصفونهم بكل الصفات التي تحمل في طياتها معاني الشرك، وتمتلئ بالتصورات التي لا تليق إلا بذات الله سبحانه وتعالى.

فهذا أحد المريدين يقسم أن مقام محمد عثمان الختم لا يدانيه أحد، وأن من يرد السعادة في الدارين فعليه بهذا السيد الذي بشره الرسول بأن من رآه لا تمسه النار:

إن رمت أن تحظى بكل فضيلة

وتفوز في الدارين بالإسعاد

وتجار من ضيق الزمان وغدره

ومن العنا والضر والأنكاد

فعليك بالحبر الهمام أبي الوفا

الميرغني عثمان ذي الإسناد

قطب الورى وأميرهم والمرتضى

ختم الكرام القادة الأمجاد

تالله ما نال امرؤ كمقامه

وفضله لا يحصى بالتعداد (١)

إلى أن يقول:

قد بشر الهادي النبي المجتبى

المنتقى عثمان ذا الإرشاد

من رآه حقيقة بمحبة أو

من رأى فلخمسة يا حادي

ما مست النيران قطعا جسمه

فمكارم تبنى بكل سداد

وإذا تصبك ملمة فبه استغث

متصرخا ينجي كقدح زناد (٢)

وهذا أبو بكر بن المتعارض خليفة الشيخ الحسن الميرغني يخاطب شيخه في لغة صوفية رمزية لا يخاطب بها إلا الله تعالى، ويقف، كما يقول، أمامه في ذلة وتجرد عن كل فعل وحس وروح وقلب، ذاهلا عن ثنويته، كما يقول، وعن وجوده، ويطلب منه أن يتجلى له تجلي الرسول لشيخه ويذيقه من الكأس التي أذاقه منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتحدث عن غيبة شيخه واحتجابه ويطلب منه في إلحاح أن يكشف عن ذاته ويظهر له بعض علاماته، ويبدل جسمه نورا بسيطا ويعلمه كتاب (الجفر) المحيط بالبواطن وأن يعدل حاله، ويسأل الله في إلحاح أن يزيل عنه حجاب البعد وكرمه برؤية ذات شيخه، وهكذا نجد بأن الشيخ تقمص صورة الرسول ونعته بنعوته فلنستمع إلى بعض ما يقول ابن المتعارض مخاطبا شيخه الحسن الميرغني:

على ذات الذوات إمام كل

بكنه الذات للذات التجلي

ببابك قد وقفت بكل ذل

وكل تجرد عن كل فعلي

وعن جسمي وروحي ثم قلبي

وعن سري وعن وصفي لقولي

وعن ثنويتي عن كل دعوى

ورؤية ذاك مني في التجلي

وعن كل التوهم عن وجودي

فأنت الأكرم الذاتي كن لي

كما كان الرسول حباك ذاتا

هي الكنه المحيط بكل كلي

ثم يقول:

منى يا أكرم الكرماء تمحو

بطلعة شمس ذاتك كل ظلي

تربينا بحجرك في سويدا

عميم الجود مرفوع المحلي

وتسقينا شرابا أحمديا

لإطلاقات كنه الكنه يعلي

وكم علمتنا حكما أفادت

بأنك أنت صرت عديم مثل

وأنك نلت سرا لا يضاهى

تلوت الأعظم الأسنى بشكل

ألوفا وانفردت بذات أحمد

بغير حجاب نور في التدلي

وأنا قد جزمنا واعتقدنا

يقينا غير منفك بحل

فهذا القول أين الفعل شيخي

وأستاذي متى ومتى تخلي

غيابك واضطراب القلب يسكن

خليلي قال لاطمئنان عقلي

وكم في الأرض قبلك من رجال

وكم نطقوا وكم قالوا بقولي

فإن كنت المشار إليه فاخرج

بخال الحسن بل بلباس نعل

وبدل جسمنا نورا بسيطا

يضيء كما السراج بجنح ليل

وعلمنا كتاب الجفر علما

محيطا بالبواطن والتجلي

وبدل هذه الأحكام وأظهر

وجود الله في أزل بعدل

فمالك في البشائر غير هذا

ظهرت أم اختفيت فأكشفن لي

نقاب الوجه أنظره عيانا

فأطرب حين أذكر أو أصلي

إلى كم تمنحني لست أقوى

لبلوى البعد عجل جمع شملي


(١) ديوان ((شفاء القلوب))، (ص ١٢١).
(٢) ديوان ((شفاء القلوب))، (ص ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>