للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحذر القاضي عياض من تلك الأدعية المبتدعة والاشتغال بها بدلا من الأدعية المأثورة فيقول: أذن الله في دعائه وعلم الدعاء في كتابه لخليفته، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد والعلم باللغة والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطان للناس من هذا المقام فقيض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر الصديق، فاتقوا الله في أنفسكم لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح ". وإلى مثل ذلك يذهب أبو بكر بن العربي عند تفسير قوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف: ١٨٠]. قال: " يقال ألحد ولحد إذ مال والإلحاد يكون بوجهين: بالزيادة فيها والنقصان منها، كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها البارئ بغير أسمائه، ويذكرونه بما لم يذكره من أفعاله، إلى غير ذلك مما لا يليق به، فحذار منها، لا يَدْعُونَّ أحد منكم إلا بما في الكتب الخمسة وهي: كتاب البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، فهذه الكتب هي بدء الإسلام، وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف، وذروا سواها ولا يقولن أحد أختار دعاء كذا، فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك للخلق رسوله ". وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران: ١٤٧]، " فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء، ويدع ما سواه، ولا يقول أختار كذا فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون " (١)، وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: ٥٥] وبعد أن ذكر وجوها من الاعتداء في الدعاء قال: " ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظا مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسوله عليه السلام وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء " (٢)، وقد بلغ من تشديد العلماء في إنكار أي زيادة على ما أثر عن رسول الله من صيغة الصلاة عليه والأدعية والأذكار أن أنكر ابن العربي ما زاده ابن أبي زيد المالكي، " وارحم محمد وآل محمد وقوله باستحباب ذلك وخطأه في ذلك قائلا: " إن النبي علمنا كيفية الصلاة عليه فالزيادة على ذلك استقصار لقوله واستدراك عليه ". ولا أدري ماذا كان سيقول ابن العربي لو رأى ما زاده هؤلاء الختمية وأمثالهم وما اخترعوه من أدعية وأذكار مليئة بالبدع في ألفاظها والانحراف في معانيها. أما السجع في الدعاء فإنه من الأسباب التي تصرف القلب عن معرفة الله وتدفعه إلى التعلق بالألفاظ بدلا من الغوص على المعاني ومن ثم كرهه العلماء، وقال الطرطوشي: " ويكره السجع في الدعاء وغيره، وليس من كلام الماضين ويورد رواية عن ابن وهب عن عروة بن الزبير أنه كان إذا عرض عليه دعاء فيه سجع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه قال: " كذبوا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه سجاعين ".

كما أورد رواية عن البخاري في صحيحه أن ابن عباس قال لعبيد بن عمير: " أقصص يوما ودع يوما ولا تمل الناس، وإياك والسجع في الدعاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يفعلون إلا ذلك أي ترك السجع ". أما توجيه الدعاء والأذكار نحو السيطرة على الجن واستخدام الشياطين والأرواح في جلب نفع ودفع ضر فهذا من أنكر المنكرات ونوع من الشعوذة والباطل الذي يؤدي إلى الشرك والعياذ بالله، كما أن استخدام الألفاظ العجمية التي لا يدرك معناها قد تتضمن نوعا من الشرك كما قال مالك رضي الله عنه إذ روي عنه أنه قال في هذه الألفاظ السريانية والعبرانية والعجمية: وما يدريك لعلها تكون كفرا " (٣).

المصدر:طائفة الختمية لأحمد محمد أحمد جلي – ص ١١٧فما بعدها


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، (ط ٣)، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة ١٣٨٧/ ١٩٦٧، (٤/ ٢٣١).
(٢) ((الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار))، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، (ط ٤)، ١٣٧٥/ ١٩٥٥م، مصطفى الحلبي، (ص ١٠٧).
(٣) ((السنن والمبتدعات))، (ص ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>