للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: تقديم دلالة القطعي على الظني.

الثاني: تقديم دلالة الأرجح.

ثم إن الرازي جزم بتقديم الدليل العقلي على الدليل النقلي مطلقاً عند التعارض! باعتبار الأمور الآتية:

الأول: إن الأدلة العقلية أصل في معرفة صحة الأدلة النقلية!

الثاني: إن القدح في الدليل العقلي قدح فيه وفي النقلي!

والجواب: إن الرازي نص على أن الأدلة العقلية التي هي أصل في معرفة صحة الأدلة النقلية تنحصر في إثبات الصانع وصفاته، ودلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى هذا فإن دعواه أعم من الدليل، فإن دليله دال على أن بعض الأدلة العقلية هي أصل في معرفة الشرع فتقدم، ودعواه: تقديم كل الأدلة العقلية، فلا يدل دليله على الدعوى كلها وإنما على بعضها - وهذا الجواب تسليمي. (١)

وإما الجواب الإنكاري: فيقال:- ما هي الأدلة النقلة التي تخالف الأدلة العقلية المثبتة لوجود الله والرسالة؟

والمتفق عليه بين الأشاعرة أن الأدلة الدالة على صفات الأفعال اللازمة والمتعدية، إنما تدل على قيام الحوادث بذات الباري، وهذا يخالف ويناقض دليل الحدوث المقام لإثبات وجود الباري!. وأيضاً فالأدلة الدالة على الصفات المتقدمة وعلى صفات الذات الخبرية إنما تدل على التركيب والجسمية - وهذا ينافي الوحدانية في زعمهم.

وجواب كلامهم: هو أن ما توهموه من أدلة عقلية هي في الحقيقة أوهام وشبهات وخيالات باطلة لا يعارض بها الكتاب والسنة، مع العلم بأنه قد قام الدليل على صحة السمع للإجماع على عصمة المبلغ، وأنه لا يمكن الشهادة بصحة كل الأمور العقلية، وقد تقدمت مناقشة عباراتهم المجملة هذه - من الجسمية والتركيب - سابقاً. وبالله التوفيق. والصواب: إنه لا يمكن إثبات وجود الباري إلا بإبطال ما سلكوه من دليل الحدوث (٢) وقد تقدم هذا أيضاً مفصلاً في مبحث إثبات وجود الله عندهم.

مع أننا لا نسلم ابتداءً أن الدليل العقلي يكون أصلاً للدليل النقلي - فإنه قد تقدم أن إثبات وجود الله تعالى أمر فطري فطر الله عليه الخلق، فماذا بقى بعد هذا من الأدلة التي يقال إنها أصل للدليل النقلي؟ والغريب أن الرازي أطلق كذلك القول بأن الأدلة العقلية أصل! مع أن الأدلة العقلية منها ما هو فاسد ومنها ما هو صحيح! ثم أما المسألة الثانية: وهي أن القدح في الدليل العقلي قدح فيه وفي النقلي فقول متناقض أيضاً، إذ أنه يلزم كذلك من القدح في الدليل النقلي القدح في الدليل العقلي - فإن العقل قد شهد بصحة السمع، فإذا طعن فيه ثانية كان ذلك دليلاً على الطعن في شهادته بصحته أولاً (٣).وإذا قيل: إن صحة النقلي مشروطة بتصحيح العقلي له أو معلقة به، فقول مآله إلى الكفر - والعياذ بالله - إذ هو يساوي القول: بأن الإنسان يؤمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم ما لم يظهر له ما يناقض العقل! - وهذا كله من الارتياب والشك الموجب لكفر صاحبه (٤).

المصدر:منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - ٢/ ٥٨٨


(١) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ١٧٣).
(٢) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ١٩٤).
(٣) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ١٧٠ - ١٧١).
(٤) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ١٧٠ - ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>