للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - ما أثر عن كثير من السلف أنهم قالوا في الصفات: "أمروها كما جاءت"، قالوا: وهذا يدل على أن مذهبهم فيها الإيمان والتسليم وإمرارها كما جاءت وعدم الخوض في تأويلها، والوقوف عن تفسيرها.٢ - قول الإمام مالك - وغيره: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" (١) قالوا: ومعنى قوله إنه معلوم أي إنه وارد في القرآن، ونفيه للكيف وإيجاب الإيمان به دليل على أنهم يسلمون ورود نصوص الصفات ويفوضون معانيها إلى الله تعالى.

٣ - أن السلف لم يكونوا يفهمون من النصوص ما يستلزم التجسيم وأن ذاته تعالى فوق العرش، قالوا فلما جاء المتأخرون وصاروا يفهمون منها مثل هذا وجب التأويل.

٤ - ثم إنهم احتجوا بالوقف على قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ [آل عمران: ٧]. قالوا وهذا دليل على التفويض.

وقد رد شيخ الإسلام على ذلك كما يلي:١ - أما قول السلف في الصفات "أمروها كما جاءت" فمعناه عندهم الإيمان بها وإثباتها، والرد على المعطلة الذين أنكروها أو خاضوا في تأويلها، فقول السلف هذا "يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروها لفظها، مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" (٢).

والسلف من الصحابة والتابعين كان اهتمامهم الأول والأخير منصبا على القرآن والحديث، فهل كانوا عندما يتلون القرآن ويعلمونه، ويروون السنة ويتناقلونها ويحدثون بها، يفرقون بين آية وآية، وحديث وحديث؟ ويقولون للناس: هذه آمنوا بألفاظها مجردة، وهذه لا مانع من فهم معانيها؟ ومعلوم أنه كان يتلقى ذلك عنهم أصناف الناس وطبقاتها وغيرها، بل كانوا يردون على المعطلة وأهل الكلام ما كانوا يخوضون فيه من ذلك، ولذلك قالوا: أمروها كما جاءت، وواضح أن قصدهم الرد على هؤلاء النفاة، ولو كان قصدهم التفويض الذي أراده المتأخرون النفاة لقالوا - موضحين أمروا ألفاظها، مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، ولو كان الأمر كذلك كان نفي الكيف عنها مع مثل هذا القول لغو.


(١) هذا القول روي عن الإمام مالك: رواه الدارمي في ((الرد على الجهمية)) (ص: ٥٥ - ٥٦) - ت البدر - واللالكائي في ((شرح السنة)) (٣/ ٣٩٨)، ورقمه (٦٦٤)، والصابوني في ((عقيدة السلف)) (٢٤ - ٢٦) - ت البدر، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص: ٤٠٨) من طريقين، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (٧/ ١٣٨، ١٥١) وأبو نعيم في ((الحلية)) (٦/ ٣٢٥ - ٣٢٦). وجود ابن حجر في ((الفتح)) (١٣/ ٤٠٦ - ٤٠٧) أحد إسنادي البيهقي.
(٢) ((الفتوى الحموية - مجموع الفتاوى)) (٥/ ٤١ - ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>