إن الكلمة الرائجة عند الاستعمار، والمنقولة عنهم هي "فرّق تسد"، فحمّلوا لواء التفريق والتكفير لأحمد رضا البريلوي، فإنه حمل هذا اللواء ورفعه فوق شبه القارة كلها، فلم يجد شخصا إلا وسبّه وشتمه وفسّقه وكفّره، وخاصة الذين نازلوا الاستعمار وقاتلوا ضده، والذين مازالوا يترقبون عليهم الدوائر ويتحيّنون لهم الفرص لينقضوا عليهم ويطردوهم من بلادهم، فرماهم بأسهمهم التي قصد المستعمرون أن يرميهم بها، وحرّض السذج من المسلمين عليهم باسم الدين والإسلام، واتهمهم إياهم وطوائفهم بهتك حرمات الصالحين وتصغير شأن الأولياء وتقليل مرتبة الأنبياء حسب الخطة المرسومة، فشحذ عليهم لسانه وسنانه، وسل عليهم سيف قلمه وبيانه، ولقن الناس بابتعادهم عنهم وعن حركاتهم القومية والوطنية، وعندما كان هؤلاء المجاهدون أتباع الرسول المجاهد الباسل صلوات الله وسلامه عليه، يستغلون الوقائع والحوادث لقلب نظام حكم الإنجليز في شبه القارة الهندية الباكستانية كان يقف البريلوي في وجههم ويسد طريقهم بتأييد السذج من المسلمين وعامتهم، الذين أغتروا بحب الأولياء والصالحين، بإيدي خفية من وراء الأستار وبمساندتهم وتأييدها ومناصرتها، فهكذا وبهذه الأعمال هون البريلوي للمستعمرين الإنجليز القضاء على مخالفيهم، الوهابيين والمناوئين لحكمهم، والمبغضين وجودهم في وطنهم، لأن الشخصيات البارزة والزعماء الأقوياء في الحركات المناوئة للحكم صارت شخصيات مختلفة بين المسلمين بعد ما كان المسلمون ينظرون إليهم نظرة إجلال وإكبار، ونظرة تقديم وإحترام.
فإن الباحث والقارئ يندهش ويتحير عندما يرى أنه لم تقم حركة في شبه القارة لمواجهة الاستعمار إلا وخالفها البريلوي وكفّر زعماءها هو وذووه، طائفته ومناصروه.
ونذكر ههنا حكرة عرفت بحركة الخلافة وحركة أخرى التي اشتهرت بركة ترك الموالاة، وبذلك يظهر عمله وموقفه من الاستعمار واستخلاص الوطن منه، ونظرته للمسلمين المستعبدين المستضعفين، ووجهته تجاه إخوانهم ونكباتهم.
وقبل أن ندخل الموضوع في صميمه نريد أن نبيّن أن الأحزاب الكبيرة التي قاومت الاستعمار ونازلت المستعمرين كانت حزب المجاهدين الموحدين الذين سموا من قبل مخالفيهم الوهابيون أو الحركة الوهابية، وجميعة علماء الهند، ومجلس أحرار الإسلام، وحزب الخلافة، وحزب الرابطة المسلمة، ونيلي بوش، من المسلمين، وحزب الفائيين، وآزاد هند فوج، وحزب الوطنين، للهندوس وحزب الغاندي كونجرس، فلقد اعتزلت البريلوي والبريلوية عن جميع هذه الحركات واجتنبوها، وكفر وكفروا هذه الأحزاب كلها، وخاصة الرابطة المسلمة وبالأخص حزب المجاهدين مع قادتها زعمائها، وحرموا الدخول فيها ومشاركتها لتحرير الوطن كما سيلاحظ القارئ كل هذا في الباب الذي خصصناه لهذا الغرض.
وهنا نحن ندخل في أصول الموضوع.
إن البريلوية وعلى رأسها البريلوي نفسه أمر المسلمين بالتباعد عن هذه الحركات كلها واعتزالهم إياها، كما أفتى بتحريم الجهاد في ربوع هذه البلاد مستدلا بأن الهند ليس بدار الحرب ولا يؤذن ويعلن بالجهاد إلا فيها، ولم يكتف على هذا فحسب، بل إرضاء للآخرين تجاوز أكثر من ذلك وقال: إن الهند دار الإسلام وكتب رسالة مستقلة باسم "إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام".