للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأغرب من ذلك إن هذه الرسالة التي تشتمل على عشرين صفحة من الحجم الصغير خصص فيها قسما لبيان أن الهند التي تسلط عليها الإنجليز الكفار ونهبوها وغضبوها هي دار الإسلام كما أن قسما من هذه الرسالة خصصه لبيان –أن الوهابيين لمرتدون، ولا يجوز أخذ الجزية منهم ولا يعطى لهم الأمان المؤبد، ويجوز استرقاق نسائهم، ولا تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم ولا الصلاة على ميتتهم، ولا مخالطتهم ولا مجالستهم ولا محادثتهم ولا مشاركتهم في أمورهم، قاتلهم الله أن يؤفكون" (١).

وبهذا يظهر السر المكنون والأسباب التي حرّضت البريلوي لكتابة هذه الرسالة وإصدار الفتوى في صالح المستعمرين ومخالفة الجاهدين المستخلصين الهند من مخالبهم.

وأما حركة الخلافة التي زلزلت أقدام الإنجليز وزحزحت عرشهم وضعفت شوكتهم في الهند فهي الحركة التي قامت على أساس أن المستعمرين الإنجليز وعدوا عام ١٩١٧م الهنديين بتحرير وطنهم وأراضيهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ولكنهم بعدما فازوا في هذه الحرب عام ١٩١٨م غدروا بهذا الوعد، فيكتب عن هذه الأحوال أحد البريلويين."أن الإنجليز لما انتصروا على ألمانيا وتركيا والنمساء وعاهدوا الأتراك على شروطهم القاسية إنحرفوا عن وعدهم الذي وعدوا به الهنديين من تحرير الهند، فاضطرب من ذلك الغدر الهنديون الأحرار وثاروا ضدهم وأرادوا أن ينتقموا الإنجليز بخيانتهم وغدرهم، فاستغلوا لذلك مسألة الخلافة في تركيا، وحرّضوا الناس على أن حفظ الخلافة الإسلامية وصيانتها من الفرائض والواجبات، ومحاربة مخالفيها "أي الإنجليز" فرض عين، فقامت على هذا الأساس حركة الخلافة وأثارت ضجة كبرى في أوساط المسلمين (٢).وفعلا عام ١٩١٩م استغل قادة المسلمين وزعماء حركة تحرير البلاد هذه النعرة ضد الاستعمار الإنجليزي الغاشم وهيجوا عواطف الناس وحرضوهم على وضع الأغلال والأواصر وكسر القيود والسلاسل، وحثوهم على الضربة القاضية على رأس الاستعمار والمستعمرين كما صرح بذلك أحد أعلام هذه الحركة، العالم الجليل الذي لقب بلقب أمام الهند والذي روّج الدعوة السلفية في ربوعها الشيخ أبو الكلام آزاد (٣).

فأدرك البريلوي خطر هذه الحركة وما تشتمل وتتضمن على دعوة الجهاد واستخلاص الوطن، فبادر بكتابة رسالته المشهورة للقضاء على هذه الحركة وإقامة السد المنيع في وجهها، وألف رسالة أخرى (دوام عيش) أبطل فيها دعوى المناصرين للخلافة التركية مستدلا بأن الخليفة لا يكون إلا قرشيا، فمادام إن العثمانيين الأتراك ليسوا من قريش فلا نثبت خلافتهم وعلى ذلك ليس على مسلمي الهند مناصرتها ومساعدتها ومحاربة الإنجليز ومقاتلتهم لأجلها وقد صرح أكثر من ذلك حيث قال: إن حماية الأتراك خداع محض وإلا المقصود الأصلي من ذكر اسم الخلافة تحرير الأراضي الهندية" (٤).

ومن الغرائب أيضا أن هذه الرسالة التي كتبها للضربة على حركة تحرير الهند وزحزحة أقدام المسلمين فيها لم يتركها خالية عن السباب والشتائم على الوهابيين، رافعي علم الجهاد ومعلني كلمة الحق في هذه الديار.


(١) ((إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام)) (١٩،٢٠).
(٢) مقدمة ((دوام عيش)) لمسعود البريلوي.
(٣) مقدمة ((دوام عيش)) لمسعود البريلوي (١٧).
(٤) ((دوام عيش)) (٦٣) ط بريلي و (٩٥) ط لاهور.

<<  <  ج: ص:  >  >>