للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حركة ترك الموالاة فإنها قامت على أنقاض حركة الخلافة، ففي سنة ١٩٢٠م لما رأى مسلموا الهند أن الإنجليز لا يريدون أن يخضعوا لطلباتهم وينزلوا على رغباتهم ويفوا بالعهود التي عهدوا بها الهنديين ويغادروا بلادهم قاموا بإقدام آخر، وهو أن يترك الهنديون المعاملات مع الإنجليز المستعمرين ويتجنبوا عنهم ويعلنوا بترك ولائهم ويقاطعوا الحكومة الإنجليزية مقاطعة تامة، لا يطاوعونهم ولا يشاركونهم في أمورهم ولا يشتركون معهم ولا يقدمون لهم الجمارك والضرائب ولا يأخذون منهم المراعاة ولا يحكمونهم فيما بينهم وفي أمورهم ولا يقبلون وظائفهم، فعاونهم في ذلك طلاب الحرية من الهندوس أيضا وعلى رأسهم زعيمهم وقائدهم الغاندي، فتكونت ثورة عظيمة ضد الاستعمار لم ير لها مثال سابق في تاريخ الهند بعد ثورة ١٨٥٧م، وأشترك فيها جميع طوائف المسلمين وزعماؤهم وقادتهم وعلماؤهم غير البريلويين، فلم يشاركوا في هذه الحركة الوطنية أيضا كدأبهم القديم، بل عكس ذلك أنهم بادروا بإصدار فتاويهم ضد القائمين بهذه الحركات مناصرة للاستعمار ومساعدة للمستعمرين، رافعين الأصوات أن ترك موالاة الاستعمار الإنجليزي الغاشم الكافر حرام، فقد كتب البريلوي كتيبا مستقلا والذي أدرج فيما بعد في فتاويه باسم "المحجة المؤتمنة في آية الممتحنة"، وبدأ كتيبه هذا حسب عادته بقوله: إن المعاملة الدنيوية التي لا تضر الدين ليست ممنوعة مع أحد سوى المرتدين مثل الوهابية والديوبندية وأمثالهم" ثم بعد ذلك كتب بألفاظ واضحة: إن المقصود من هذه الحركات هو الحصول على الحرية من الإنجليز لا غير" (١)

ثم قال بألفاظه الصريحة التي تنبئ بما في الصدور: أنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم، ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم" (٢).

ثم رد على من يستدل على جهاده بجهاد حسين بن علي رضي الله عنهما فقال: إنه لم يكن يريد القتال، بل سلط عليه القتال، وحرام على سلطان الإسلام الذي يجب عليه إقامة الجهاد أن يبدأ بقتال الكفار إذا لم يكن يكافئهم، فكيف ونحن لا نستطيع مكافئة الإنجليز ومحاربتهم" (٣).ثم نصح المسلمين بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: ١٠٥] – محرفاً الكلم عن مواضعه - (٤).وأخيراً ختم كتابه هذا أيضاً بتكفير كل من يناضل ضد المستعمرين ويدعو إلى ترك الموالاة لهم والمعاملة معهم" (٥).

وقبله قد أفتى بتعطيل الجهاد في كتابه (دوام العيش) بقوله:"لا جهاد وقتال على مسلمي الهند (٦).فشُهّر بين المسلمين بعمالة الاستعمار والعمل على حسابهم، ولأجل ذلك اضطر أحد مريديه إلى القول: بأن المسلمين ظنوا فيه ظن السوء" (٧).والآخر كتب "إن أكثر مريديه ومعتقديه إنحرفوا عنه لاختلافه مع حركة الخلافة" (٨).

فهذه هي الأعمال التي قام بها في عصر كان مسلموا الهند فيه مبتلين بابتلاءات صعبة شديدة وكانوا يجتاحون فيه المراحل الحرجة والظروف الضيقة والأحوال العصيبة.

ولا يمكن لمنصف أن يعرض عن القول بأن كل وزن البريلوي والبريلوية وثقلهم كان في كفة المستعمر الإنجليزي الغاصب إن لم يقل بعمالتهم وجاسوسيتهم وعملهم على حسابهم، لأنه أمر الناس بمقاطعة الجهاد والمجاهدين وترك موالاتهم ضد الاستعمار والمستعمرين بل خلاف ذلك أمر الناس بولايتهم وموالاتهم.

فالمسلمون يقاطعون ويخاذلون، والنصارى المستعمرون يوالون ويناصرون.

وعلى ذلك كتب الإنجليزي المشهور "فرانسس رابنسن":"إن البريلوي كان عمله حماية الحكومة الإنجليزية، فإنه أيد الحكومة في الحرب العالمية الأولى، واستمر في هذه الحماية والتأييد للحكومة حتى أيام حركة الخلافة سنة ١٩٢١م وعقد المؤتمر في بريلي وجمع فيه العلماء الذين كانوا يخالفون ترك موالاة الحكومة، والذين كان لهم أثر كبير في نفوس العامة المتعلمين والدارسين المسلمين" (٩).

المصدر:البريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص٣٦


(١) ((المحجة المؤتمنة)) لأحمد رضا (١٥٥).
(٢) ((المحجة المؤتمنة)) (٢٠٨).
(٣) ((المحجة المؤتمنة)) (٢١٠).
(٤) ((المحجة المؤتمنة)) (٦٠٢).
(٥) انظر خاتمة الكتاب (٢١١).
(٦) ((دوام العيش)) (٤٦).
(٧) مقدمة ((دوام العيش)) (١٨).
(٨) ((كتابي دنيا)) مقال حسن النظامي (٢) نقلا عن مقدمة ((دوام العيش)) (١٨).
(٩) ((سيبترزم امنك اندين مسلمز)) (٤٤٣)، ((كامبرج يونيورستي)) ط مطبعة كامبرج يونيورستي ١٩٧٤م.

<<  <  ج: ص:  >  >>