للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا أعظم وازع وأبلغ زاجر لمن صارديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاستعانة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه، وكذلك من صار يطلب من الرسول ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه، فإن هذا مقام رب العلمين، الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه؟ ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق الرزاق المعطي المانع؟ وحسبك بما في الآية من موعظة، فإن سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقود لعباده: لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا: فكيف يملكه لغيره؟ وكيف يملكه غيره – ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته – لنفسه، فضلا عن أن يملكه لغيره؟

فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ويطلبون منهم الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى "لا إله إلا الله"، ومدلول "قل هو الله أحد"؟ وأعجب من هذا إطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرزاق، المحيى المميت، الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومقربين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه، ومطهر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر، ولقد توسل الشيطان – أخزاه الله – بهذه الذريعة إلى ما تقربه عينه، وينثلج به صدره، ومن كفر كثير من هذه الأمة المباركة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، إنا لله وإنا إليه راجعون" (١).

هذا وذكر شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في فتاواه قول بايزيد البسطامي أنه قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق. وقول الشيخ أبي عبدالله القرشي المشهور بالديار المصرية، استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، كما نقل دعاء موسى عليه السلام الذي كان يدعو به: أللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك. – ثم بعد ذلك: لا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله، ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله" (٢).


(١) ((فتح البيان)) للنواب صديق حسن خان (٤/ ٢٢٥).
(٢) ((فتاوى شيخ الإسلام)) (١/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>