للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: إن المعية في اللغة مطلق المصاحبة – فهذا هو القدر المشترك في موارد المعية – فإنها قد تقتضي النصر والتأييد كما في قول الله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [التوبة: ٤٠] وقد تقتضي العلم كما في آية الحديد – وآية المجادلة. فالأولى إفادة علو الله على خلقه، وعلمه بعباده وبصره بعملهم، والثانية أفادت علم الله تعالى بعباده، فإن الله بدأها بالعلم وختمها به فقال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة: ٧].فإذا كان ذلك كذلك وعلم أن الاستواء على العرش وعلو الله تعالى على خلقه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والفطرة تعين حمل المعية على المعنى السابق دون مخالطة أو حلول (١) وقد أجمع أهل السنة والجماعة على هذا الأمر.

فإذا تبين هذا علم أن قول الجويني: "والتزموا فضائح لا يبوء بها عاقل" غير لازم. ثم إن قوله: "إن حملوا قوله – "وذكر الآيتين" على الإحاطة بالخفيات فقد تسوغوا التأويل" فجوابه من وجهين: الأول: لا نسلم أن تفسيرنا للمعية بالمعنى السابق تأويل لها، بل إن المعنى المذكور هو ظاهر الآية (٢) كما تقدم مستوفى. الثاني: لو سلمنا أن هذا الذي ذهبنا إليه تأويل فهو تأويل صحيح مستفاد من الكتاب والسنة، لا بأوهام وتصورات باطلة لظاهر كلام الله – فإذا سلمنا ذلك التأويل فإنه لا يلزمنا أن نسوغ التأويل لكل نص، إذ نصوص الصفات هي إما نص في الموضوع أو ظاهر ظهوراً راجحاً (٣).

الثالث: لو ساغ تأويل نصوص الصفات التي أثبتها أهل السنة مما لا يثبته الأشاعرة، لساغ تأويل نصوص الصفات المتفق عليها، فلما لم يلزم هذا كان الأولى ألا يلزم ذلك – خاصة وأن المقتضي للتأويل عند الأشاعرة ما توهموه من الجسمية وغيرها، وقد تقدمت الإجابة عنه. وقد ذكر الغزالي أن الإمام أحمد منع التأويل إلا في ثلاثة ألفاظ فقال: "سمعت بعض أصحابه يقول: إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ألفاظ: قوله صلى الله عليه وسلم ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) (٤) وقوله صلى الله عليه وسلم ((إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن)) (٥) " اهـ.

فالجواب الإجمالي من وجهين:


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٠٢). و ((القواعد المثلى)) (ص: ٥٣ - ٥٦).
(٢) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٠٣).
(٣) انظر: ((التدمرية)) (ص: ٦٩ - ٧٨).
(٤) قال الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) (٦/ ٣٢٦) , والألباني في ((السلسلة)) (٢٢٣): منكر, وروي عن ابن عباس موقوفا عليه، والوقف أشبه وإن كان في سنده ضعيف جدا، فإن إبراهيم هذا وهو الخوزي متروك كما قال أحمد والنسائي، لكن روي الحديث بسند آخر ضعيف عن ابن عمرو رواه ابن خزيمة (٢٧٣٧) والطبراني في " الأوسط " (١/ ٣٣ / ٢)، وقال: تفرد به عبد الله بن المؤمل ولذا ضعفه البيهقي في ((الأسماء)) (ص: ٣٣٣).
(٥) رواه أحمد (٢/ ٥٤١) (١٠٩٩١) , والطبراني في ((الأوسط)) (٥/ ٥٧) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وصححه الألباني في ((السلسلة)) (٣٣٦٧) , والوادعي في ((الصحيح من دلائل النبوة)) (٥٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>