للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: إن الغزالي: قال "سمعت بعض أصحابه" ولم يسمه – فهو مجهول حالاً وعيناً لإبهامه – وخبر المجهول غير مقبول – ثم إنا لا نعلم من أصحاب أحمد من عاش إلى زمان الغزالي، فإذا كان مراد الغزالي أنه من أصحاب أصحاب أحمد، أو أنه من طبقة بعد تلك، فالقدح يكون متوجهاً من جهة جهالة الراوي، ومن جهة الانقطاع بين حاكي القول والإمام أحمد رحمه الله. الوجه الثاني: لو سلمنا أن الذي ذكر ما ذكر ثقة فإنه معارض بأقوال جميع من روي عن الإمام أحمد عقيدته – ولذلك علق شيخ الإسلام على هذه الحكاية بقوله: "هذه الحكاية كذب على أحمد" (١)

أما الجواب التفصيلي فهو بالكلام عن الأحاديث التي أوردها: الحديث الأول: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) فإن هذا الحديث قد روي مرفوعاً وموقوفاً، فإنه قد روي عن أنس وجابر رضي الله عنهما مرفوعاً بأسانيد لا تصح (٢) وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرة مرفوعاً ومرة موقوفاً ولم يصح مرفوعاً. وأما الموقوف فإنه لا يخلو من ضعف. ولذلك فإنه لا يصلح إيراده للاعتراض.

ولو سلم أن هذا الأثر صحيح وأن له حكم الرفع – فيقال في الجواب: إن الحديث لا يدل على أن الحجر صفة من صفات الله تعالى حتى يقال إن من لم يقل بذلك كان مؤولاً وبيان ذلك من وجهين: الأول: إن أول الحديث قال فيه ((يمين الله في الأرض)) فقيد اليمين بقوله: ((في الأرض)) واللفظ المقيد غير المطلق – (٣) ومجرد الإضافة لا تقتضي أن المضاف يكون صفة – فقد تقدم أن الأشياء المضافة على ثلاثة أنواع: ومنها إضافة الأعيان المنفصلة القائمة بذاتها إلى الله تعالى كبيت الله وناقة الله – فهي مخلوقة – والحجر الأسود كذلك عين منفصلة قائمة بذاتها، فهو مخلوق. وما كان كذلك لا يقال فيه إن ظاهره التشبيه وإنه لابد من تأويله.

الثاني: إن الحديث ورد في آخره: ((فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه)) فشبه مصافحة الحجر الأسود بمصافحة الله – ومعلوم قطعاً أن المشبه غير المشبه به. فقد تبين من الوجهين أن الحديث لا يوهم تمثيلاً حتى يقال إنه يحتاج إلى تأويل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله لا يجوز أن ينسب إليه أنه يتكلم بكلام يحتمل التمثيل ولا يبين للأمة ما يتقون (٤).

وأما الحديث الثاني: فهو ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن)) (٥) , وأكد الرازي قول الغزالي بأنه يحتاج إلى تأويل فقط مؤكداً ومعللاً: "وهذا لابد فيه من التأويل، لأنا نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا أصبعان بينهما قلوبنا" (٦) اهـ.


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٩٨).
(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم – بإسناد لا يثبت" ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٩٧).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٣/ ٣٨٤). و ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٩٧). و ((التدمرية)) كذلك (ص: ٧١).
(٤) انظر: ((تأويل مختلف الحديث)) لابن قتيبة (ص: ٢٠١). و ((درء تعارض العقل والنقل)) (٣/ ٣٨٤). و ((التدمرية)) (ص: ٢) و ((القواعد المثلى)) (ص: ٥٠).
(٥) رواه مسلم (٢٦٥٤) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٦) ((أساس التقديس)) للرازي (ص: ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>