للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن العلم بما في الصدور من الأمور الغيبية التي استأثر الله تعالى بعلمها، وقد دلت على ذلك نصوص من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:١٩]. وقوله تعالى: وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:١٩] وقوله تعالى: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ [الإسراء:٢٥].وفي الحديث: ((إن الله تعالى يقول لعبده يوم القيامة سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)) (١).

وبعد هذه النصوص الصريحة نقرأ فيما يلي أقوالاً وقصصاً لعلماء ديوبند حتى نعرف معتقدهم في هذه المسألة.

ذكر مؤلف "تذكرة الرشيد" قصة حصلت لـ"ولي محمد" مع شيخه الكنكوهي، ثم قال "ولي محمد".

"أنا أخاف كثيراً من مقابلة الشيخ - أي الكنكوهي- فإنه يطلع على وساوس القلب، ونحن لا نملك دفعها".

وقال الشيخ نذر محمد، وكان من أصحاب الشيخ الكنكوهي:

"كنت شديد الغيرة وكنت لا أسمح لزوجتي أن تخرج من البيت أو أن يسمع صوتها أحد ليس بمحرم لها، فلما خرجت لمبايعة الشيخ خطر ببالي أن الشيخ ليسمع صوتها، فاطلع الشيخ عن طريق الكرامة على ما وسوست به نفسي، وأمرني أن أجلسها في الغرفة وأغلق عليها الباب".

وقال الشيخ أشرف على التانوي:

"إن قلب الشاه عبدالرحيم الرايفوري كان نورانيًّا جدًّا فكنت أخاف أن أجلس عنده خشية أن تنكشف عيوبي".

وقال الشيخ محمد قاسم النانوتوي في الشيخ محمد يعقوب الديوبندي:

"إن الشيخ جدُّ خبير بخفايا النفس وأسرارها الدقيقة".

وقال مؤلف "انكشاف":

"حسبك أن تطلع على ما قاله سلطان الأولياء محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية، مما يسهل لك الحكم في مسألة إمكان الإطلاع على هواجس النفس وخطرات القلب عن طريق الكرامة، فإنه قال فيه: الكرامة على نوعين؛ حسية ومعنوية، فالعامة لا تعرف إلا الحسية كالإطلاع على ما تخفي الصدور، والإخبار عن المغيبات وإعلام الناس بالأخبار الحالية والمستقبلية".

ثم قال:

"فعلى القارئ المنصف أن يحكم دون أن يتعصب لرأي هل في ذلك ما يخالف الشرع، ولكن قبل الإجابة بنفي أو إثبات لابد من أن تجعل نصوص شيخ الإسلام العلامة ابن عربي صاحب الفتوحات المكية أمامك".وفي هذا المقام يجدر بنا أن نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الكشف من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، فرفع له بيت المقدس وهو في مكة (٢)، كما أنه رأى ما كان يجري في "مؤتة" وهو بالمدينة (٣)، ولكنه لم يكن ذلك بصفة دائمة مستمرة، فلم يطلع صلى الله عليه وسلم على عقد ضاع لعائشة رضي الله عنها في موقعة بني المصطلق (٤)، كما هو معروف في كتب التاريخ والسير والتفسير والحديث.

وبعد معرفة هذه الحقيقة نقرأ ما قاله مؤلف "انكشاف" في علماء الصوفية والديوبندية:

"الكشف هو الاطلاع على الأسرار والأخبار الخفية، وهو على نوعين: الأصغر والأكبر، فالأصغر، ويقال له الكشف الكوني أيضاً، ويطلع به السالك على أحوال الملائكة والأرواح والعرش والكرسي واللوح المحفوظ وما يحدث في السموات والأرض، وينكشف له أحوال أهل القبور، وأما الكشف الأكبر فهو مشاهدة الذات الإلهية، فعلماء ديوبند الكبار هدفهم الأول هو الكشف الأكبر، وأما الكشف الأصغر فيرونه مفيداً ومساعداً في السلوك".

المصدر:الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص ١٥١ - ١٥٤

اعتقاد علمهم بالآجال


(١) رواه البخاري (٢٤٤١) ومسلم (٢٧٦٨) من حديث ابن عمر
(٢) ينظر ((صحيح البخاري)) (٣٨٨٦) و ((دلائل النبوة)) للبيهقي (٢/ ٣٩٠ - ٣٩٦).
(٣) ينظر ((صحيح البخاري)) (٢٧٩٨).
(٤) ينظر ((صحيح البخاري)) (٣٣٤) ومسلم (٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>