للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي نقض التأسيس أشار إلى ما ذكره هنا، مع زيادة في الشرح والتوضيح، وقال في أثناء ذلك: "فهذا القول ليس عندنا من باب التأويل الذي هو مخالفة الظاهر أصلا، وليس المقصود نصر هذا القول، بل بيان توجيهه وأن قائليه من السلف لم يكونوا من نفاة الصفة، ولا من يقول: ظاهر الآية ممتنع ... " (١)، ثم ذكر ثلاث احتمالات في هذه الآية:

أحدها: أنها دالة على الصفة، وحينئذ تقر على ظاهرها، ولا محذور فيه، ومن يقول بهذا لا يقول إن وجه الله هو نفسه في الأجسام المستقبلة ولا يقول هذا أحد من أهل السنة، و"ثم" إشارة إلى البعيد.

والثاني: أن ظاهرها أن الذي ثم هو القبلة المخلوقة فقط، وفي هذه لا تكون الآية مصروفة عن ظاهرها، وتوجيه ذلك أن "ثم" إشارة إلى مكان موجود، والله تعالى فوق العالم ليس هو في جوف الأمكنة. والثالث: أن يقال ظاهرها يحتمل الأمرين، وحينئذ فقول مجاهد لا ينافي ذلك (٢).ولكن ما الذي يرجحه شيخ الإسلام – مع قوله إن قول مجاهد " فثم قبلة الله" ليس تأويلا ولا حجة فيه للنفاة -؟، سبق قبل قليل نقل قوله في (مجموع الفتاوى): "ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله أي قبلة الله، ولكن يقول: هذه الآية تدل على الصفة ... "، وزاده في نقض التأسيس بيانا فقال في أحد وجوه الرد على الرازي: "الوجه الثالث: أن يقال: بل هذه الآية دلت على الصفة كغيرها، وذلك هو ظاهر الخطاب وليست مصروفة عن ظاهرها، وإن كانت مع ذلك دالة على استقبال قبلة مخلوقة، ونجزم بذلك فلا نسلم أنها مصروفة عن ظاهرها، ولفظ "الوجه" هو صفة الله، فما الدليل على وجوب تأويلها، وقوله فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ فيه الإشارة إلى وجه الله بأنه ثم، والله تعالى يشار إليه كما تقدم تقرير هذا" (٣).

ويجب أن لا يغيب عن البال – في خضم هذه المناقشات – أن الخلاف ليس في إثبات صفة "الوجه" لله تعالى، لأن هذه الصفة ثابتة بنصوص أخرى صريحة قطعية، لا مجال فيها لأي احتمال – وقد أثبتها متقدموا أئمة الأشاعرة – ولكن الكلام هنا يدور حول أحد النصوص الواردة وهو قوله تعالى: فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ هل هو دال على صفة أم لا؟.


(١) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٧٩).
(٢) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٧٩ - ٨٢).
(٣) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>