للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمثلة من القرآن ذكروا فيها التأويل: ١ - قال تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [البقرة: ١١٥]، يقول شيخ الإسلام عن صفة الوجه: "لما كان إثبات هذه الصفة مذهب أهل الحديث، والمتكلمة الصفاتية: من الكلابية، والأشعرية، والكرامية، وكان نفيها مذهب الجهمية: من المعتزلة وغيرهم، ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم، صار بعض الناس من الطائفتين كلما قرأ آية فيها ذكر الوجه جعلها من موارد النزاع، فالمثبت يجعلها من الصفات التي لا تتأول بالصرف، والنافي يرى أنه إذا قام الدليل على أنها ليست صفة فكذلك غيرها، مثال ذلك قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [البقرة: ١١٥] أدخلها في آيات الصفات طوائف من المثبتة والنفاة، حتى عدها أولئك – كابن خزيمة – مما يقرر إثبات الصفة (١)، وجعل (النفاة) تفسيرها بغير الصفة حجة لهم في موارد النزاع" (٢).ثم ذكر قصته في المناظرة التي عقدت له فقال: "ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود – وكنت قد قلت: أمهلت كل من خالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن السلف يخالف شيئا مما ذكرته كانت له الحجة، وفعلت وفعلت، وجعل المعارضون يفتشون الكتب فظفروا بما ذكره البيهقي في كتاب (الأسماء والصفات) في قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [البقرة: ١١٥]، فإنه ذكر عن مجاهد والشافعي أن المراد: قبلة الله (٣) – فقال أحد كبرائهم – في المجلس الثاني – وقد أحضرت نقلا عن السلف بالتأويل، فوقع في قلبي ما أعد، فقلت: لعلك قد ذكرت ما روي في قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [البقرة: ١١٥] قال: نعم، قلت: المراد بها قبلة الله، فقال: قد تأولها مجاهد والشافعي وهما من السلف. ولم يكن هذا السؤال يرد عليّ، فإنه لم يكن شيء مما ناظروني فيه صفة الوجه، ولا أثبتها، لكن طلبوها من حيث الجملة، وكلامي كان مقيدا كما في الأجوبة، فلم أر إحقاقهم في هذا المقام، بل قلت: هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلا، ولا تندرج في عموم قول من يقول: لا تؤول آيات الصفات. قال: أليس فيها ذكر الوجه؟ فلما قلت: المراد بها قبلة الله، قال: أليست هذه من آيات الصفات؟ قلت: لا، ليست من موارد النزاع، فإني إنما أسلم أن المراد بالوجه – هنا – القبلة، فإن الوجه هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدت هذا الوجه، وسافرت إلى هذا الوجه، أي: إلى هذه الجهة ... " – وبعد أن زاد هذا شرحا، قال: في كلام مهم جدا: "ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله، أي قبلة الله، ولكن يقول: هذه الآية تدل على الصفة وعلى أن العبد يستقبل ربه ... ويقول: إن الآية دلت على المعنيين، فهذا شيء آخر ليس هذا موضعه. والغرض أنه إذا قيل: فثم قبلة الله، لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه الذي ينكره منكروا تأويل آيات الصفات، ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة، فإن هذا المعنى صحيح في نفسه، والآية تدل عليه، وإن كانت دالة على ثبوت صفة فذاك شيء آخر، ويبقى دلالة (قوله) فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ على فثم قبلة الله، هل هو من باب تسمية القبلة وجها باعتبار أن الوجه والجهة واحد؟ أو باعتبار أن من استقبل وجه الله فقد استقبل قبلة الله؟ فهذا فيه بحوث أخرى، ليس هذا موضعها" (٤).


(١) انظر: ((التوحيد)) (١/ ٢٥) – المحققة.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٥).
(٣) انظر: ٠٠الأسماء والصفات للبيهقي)) (ص: ٣٠٩).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٥ - ١٧)، و ((قارن بالمناظرة حول الواسطية –مجموع الفتاوى –)) (٣/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>