للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكون هذه التأويلات الباطنية للآيات القرآنية غير مبنية على حدود وضوابط أو قيود نجد أنهم يتهجمون على علماء المسلمين ولا سيما المفسرين منهم فيصفونهم بالعامة حينا وبالجهل حينا آخر فهذا قاضي الإسماعيلية النعمان بن حيون يقول عند تأويله لإحدى الآيات القرآنية: إن العامة الجاهلين المسمون بالعلماء قد عمهم الجهل حيث فسروا قوله تعالى وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم [٣٨: الأنعام] وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [٨٢: النمل]، بأن المراد بالدواب ذوي الحوافر والأظلاف ويتهمكم بهذا التفسير ثم يقول والله منزه عما يقولون ومبرأ من إفكهم وضلالتهم (أي مفسري المسلمين) ثم يفسر الآية حسب منهجهم في التأويل الباطني باللعب بألفاظ القرآن يقول إن المراد بالدواب هم الدعاة والأرض في الآية الثانية مثل الحجة والدابة الجناح والطائر يدل على الداعي لأن هناك جناحا أيمن وجناحا أيسر وهو ما تدل عليه الآية الأولى وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ومما يؤيد ذلك حسب زعمه قوله تعالى حكاية عن عيسى وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي [المائدة: ١١٠]، يعني أقيم لكم داعيا من الإمام. (١).وفي تأويل قوله تعالى إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ٧٩]، يقول داع باطني معاصر أن معناها إني وجهت وجهي للذي فطر الأنبياء العظام وأرسلهم بالظواهر في الأنام وأرسل حججهم بتأويل ما أتو به وبحقائقه وأسراره ودقائقه وما أنا من القائلين إنه يحل في الأجسام بل هو يتجلى في كل زمان ومكان بكل مقام وذلك هو العقل العاشر والمدبر الظاهر (٢).

وفي تأويل قصة ابني آدم الواردة في قوله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا إلى قوله قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة: ٢٧ - ٣١] ذكر الداعي الباطني الكرماني تأويلات باطنية فجة لجميع الألفاظ والأعلام الواردة في هذه الآيات الخمس فابني آدم هما الضد الذي اعتقد أن العبادة ليست إلا بالظاهر من الأعمال والولي الذي اعتقد أن العبادة بالظاهر والباطن وأن الخلاص بهما جميعا والقربان هو اعتقاد كل منهما فتقبل من أحدهما وهو الولي ولم يتقبل من الآخر وهو الضد والمتيقن أن الذين يجمعون بين العلم والعمل أي الظاهر والباطن والقتل هو دفع من يستحق مرتبة من مراتب الدعوة عنها إلى أقل منها والغراب عبارة عن رجل من أصحاب الناطق ليوضح للضد أمره ومنزلته وبعد ذلك لا يستنكف هذا الباطن أن يطبق ذلك في حق أبي رضي الله عنه وابنه محمد حيث يعتبره من المختصين بالولي (أي محمد) وهو الغرب.

وهذا من جهة الدين أما من جهة النسب فيعبر عنه بالضد إلخ هذه التأويلات الغثة الركيكة مبنى ومعنى.

المصدر:أصول الإسماعيلية لسليمان بن عبد الله السلومي – ٢/ ٤٧٨


(١) ((مخطوطة الرسالة المذهبة)) للقاضي الإسماعيلي النعمان بن حيون (ص: ٩٢ - ٩٣).
(٢) ((مخطوطة حياة الأحرار)) لعلي المكرمي (ص: ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>