للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصنف الأول: المستجيبون لدعوتهم وهؤلاء في نظرهم أحاطوا من جهة الإمام بحقائق الأمور واطلعوا على بواطن الظواهر حتى وصلوا إلى رتبة الكمال في العلوم وعندئذ تنحط عنهم التكاليف العلمية وتحل عنه قيدوها لأن المقصود من أعمال الجوارح تنبيه القلب لينهض لطلب العلم فإذا ناله استعد للسعادة القصوى وسقط عنه تكليف الجوارح. الصنف الثاني: الجهال والأغبياء – أي المسلمون في زعمهم – الذين يجهلون بواطن الأمور وتأويلاتها فهؤلاء لا يمكن رياضة نفوسهم إلا بالأعمال الشاقة ولذا يكلفون بتأدية العبادات وأعمال الجوارح عقوبة ونكالا لهم ويضيف الغزالي إلى أن هذا فن من الإغواء شديد على الأذكياء والغرض منه هدم قوانين الشرع (١). ويقول ابن تيمية رحمه الله في معرض رده على مبتدعة أهل الكلام: أنهم لما فتحوا باب القياس الفاسد في العقليات والتأويل الفاسد في السمعيات صار ذلك دهليزا للزنادقة الملحدين ... حتى انتهى الأمر بالقرامطة الباطنيين إلى إبطال الشرائع المعلومة كلها كما قال رؤسائهم بالشام: قد أسقطنا عنكم العبادات فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة (٢).وقال المرتضى: إن الباطنية يقولون إن فائدة الظاهر من الأعمال أن يتوصل بها إلى فهم الباطن فمتى فهمه العبد سقطت عنه الأعمال إذ قد حصل المقصود بها (٣).ونقل الديلمي والمرتضى ما كتبه أبو القاسم القيرواني في كتابه (البلاغ إلى وصيف المحمدي) أنه حلله من عقاله وأطلقه من وثاقه فلا صوم عليه ولا صلاة ولا حج ولا جهاد ولا يحرم عليه شيء من طعام وشراب ونكاح (٤).ويقول الشاطبي: إن هدف الباطنيين من تأويلهم: إنهم أرادوا باعتقادهم هذا إبطال الشريعة جملة وتفصيلا وإلقاء ذلك فيما بين الناس لينحل الدين في أيديهم فلم يمكنهم إلقاء ذلك صراحا فيرد ذلك في وجوههم وتمتد إليهم أيدي الحكام فصرفوا أعناقهم إلى التحيل ومن جملتها صرف الهمم من الظواهر إحالة على أن لها بواطن هي المقصودة (٥).وهكذا ومن خلال ما نقلناه سابقا عن الإسماعيلية من تأويلات باطنية وما نقلناه آنفا عن علماء الفرق وتصويرهم لهذه التأويلات يتضح لنا الإجماع على أن هدف الإسماعيليين الخطير التحلل من الشرائع وإسقاط العمل بالظاهر الذي هو في حقيقة الأمر جميع شرائع الإسلام وأركانه العملية وليست هذه تهمة أو مجرد رد بدون تثبت وأدلة من جانب علماء المسلمين بل إن المتتبع لمثل هذه النتائج يجدها بكل دقة وأمانة في كتب الباطنيين أنفسهم وهذا عدد من نصوصهم على هذه النتيجة أو ذلك الهدف الأساسي من التأويل مقارنة بما أسلفنا من نقول لعلماء المسلمين فمن أدعية المعز العبيدي دعاء أسموه (دعاء يوم السبت) ومما جاء فيه قوله: وعلي القائم بالحق الناطق بالصدق التاسع من جده الثامن من أبيه الكوثر السابع من آبائه الأئمة سابع الرسل من آدم وسابع الأوصياء من شيث وسابع الأئمة من البررة .... إلى قوله الذي شرفته وعظمته وكرمته وختمت به عالم الطبيعة وعطلت بقيامه ظاهر شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك بالقوة لا بالفعل (٦)


(١) ((فضائح الباطنية)) للغزالي (ص: ١٢ – ٤٦ – ٤٧).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٥/ ٥٥٢).
(٣) ((مخطوطة المنية والأمل للمهدي)) لدين الله المرتضى (ص: ٣٨).
(٤) ((مخطوطة المنية والأمل للمهدي)) لدين الله المرتضى (ص: ٢٣٨) ((بيان مذهب الباطنية وبطلانه)) للديلمي (ص: ٨١).
(٥) ((الاعتصام)) للشاطبي (١/ ٢٥٢).
(٦) ((الحقائق الخفية)) للداعي طاهر الحارثي (ص: ١٢٩ - ١٣٠) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>