للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بعض مصادر الإسماعيليين إفصاح عن سقوط العمل بالظاهر لبعض الدعاة في مرحلة من مراحل سلم العدوة يقول أحد دعاتهم: من عرف هذا الباطن سقط عنه عمل الظاهر وإنما وضعت الأصفاد والأغلال على المقصرين أما من بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها عليك فقد أعتقته من الرق ورفعت عنه ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر (١). ويقول داعيهم الباطني سنان راشد الدين: إن الإنسان متى عرف الصورة الدينية فقد عرف حكم الكتاب ورفع عنه الحساب وسقط عنه التكليف وسائر الأسباب (٢). وفي كتاب (الحقائق الخفية): أن حجج الليل هم أهل الباطن المحض المرفوع عنهم في أدوار الستر التكاليف الظاهرة لعلو درجاتهم (٣).وعند المطارمة – وهم فرع من فروع الإسماعيلية – أن لكل إمام اثنى عشر حججا في حضرته السامية وهم أهل الحقائق السانية لا يدخلون تحت التكاليف لأنهم قاموا بذلك قبل التصاريف (٤).

هذه هي نصوص القوم – وكما نلاحظها – ناطقة بنفسها على الإقرار والاعتراف على غرضهم من التأويل الباطني – وهو إسقاط الجانب العملي من دين الإسلام بتأويلات ساقطة وهذا هو أهم هدف يرنون إليه ولهم مع ذلك أغراض أخرى أجملها في ثلاثة أمور: الأمر الأول: التشكيك في المصادر الأصلية للمسلمين وهما كتاب عز وجل وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن وصايا أحد أئمتهم إلى داع من دعاته قوله وأوصيك بتشكيك الناس في القرآن والتوراة والزبور والإنجيل وبدعوتهم إلى إبطال الشرائع وإبطال المعاد (٥).

الأمر الثاني: إن الإمامة أصل من أصولهم – كما سبق أن ذكرنا – فمن دعواها ومن طريقها يشرع أئمتهم حسبما يهوون ويريدون لأنهم هم أصحاب التأويل الذين يعرفون بواطن النصوص والأدلة ولذا فهم يؤولون حسب أغراضهم ومعتقداتهم.

الأمر الثالث: الدخول إلى الناس من عدة وجوه للدعوة إلى مذهبهم فمن كان مائلا إلى التحلل من العبادات والتكاليف أولوا له النصوص على الوجه الذي يستطيعون به جذبه إليهم ومن كان مائلا إلى الشهوات فتحوا له باب الانغماس فيها.

ومن كان مائلا إلى الزهد حملوه على العبادات وهكذا يعتبر التأويل الباطن أصلا من أصول الباطنية على تعدد فرقها وتشعب سبلها لأنها تؤدي إلى هذه الأهداف والغايات التي يسعى إليها كل باطني هدما وتخريبا وفي استدلاله بالآيات القرآنية وما صح من الأحاديث القليلة جدا يحققون أمورا أربعة – كما ذكر كاتب معاصر – هي:

١ـ عدم رفض القرآن – في الظاهر – ككتاب ديني مقدس.

٢ـ التخلي – في الباطن – عن أحكامه وملزماته وفروضها من خلال تأويلها.

٣ـ وفي نفس الوقت دعم حركتهم وعقائدهم – الباطنية – وتعزيزها بآيات قرآنية وأحاديث كثيرة جدا الصحيح منها أقل القليل.٤ـ وفي نفيهم – أو تجاوزهم – المعاني الظاهرية للقرآن يبرز الفراغ الفكري الذي كانت تملأه تلك المعاني ومن هنا يفتح المجال لنزعاتهم وتطلعاتهم كي تتحرك وتؤثر بحرية بعيدة المدى (٦).هذه هي أهم أهداف الإسماعيليين من أصلهم هذا الذي لا يقل خطورة عن أصلهم الأول (الإمامة) وكلا الأصلين يمثلان تجاوزا خطيرا لكل العقائد والمفاهيم الإسلامية بل أنهما في حقيقة الأمر محاولة جادة يائسة لنسف الإسلام بعظمته وشموله وواقعيته وإحلال المفاهيم الباطنية الإلحادية – بقزامتها وضآلتها – محله ورحم الله الإمام الغزالي الذي عرف أهدافهم وفضحهم بكتابه (فضائح الباطنية) ومما قال عنهم: إن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة ولا معتقدة لنحلة معتضد بنبوة فإن مساقها ينقاد إلى الانسلال من الدين كانسلال العشرة من العجين (٧).

المصدر:أصول الإسماعيلية لسليمان بن عبد الله السلومي – ٢/ ٤٨٥


(١) ((الهفت الشريف)) (ص: ٦٥).
(٢) ((كتاب شيخ الجبل الثالث)) لمصطفى غالب (ص: ١٤١).
(٣) ((الحقائق الخفية)) للأعظمي (ص: ١٠٢).
(٤) ((حياة الأحرار)) لمحمد علي المكرمي مخطوطة (ص: ٦١)
(٥) ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: ٢٧٧).
(٦) ((الحركات الباطنية في العالم الإسلامي)) لمحمد الخطيب (ص: ١١٣).
(٧) ((فضائح الباطنية)) للغزالي (ص: ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>