للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقول هؤلاء: إنه يتكلم إذا شاء، ويسكت إذا شاء، ولم يزل متكلما بمعنى إنه لم يزل يتكلم إذا شاء، ويسكت إذا شاء، وكلامه منه ليس مخلوقا، وكذلك يقولون: وإن كان له مشيئة قديمة فهو يريد إذا شاء، ويغضب ويمقت ويقر هؤلاء – أو أكثرهم – بما جاء من النصوص على ظاهره مثله قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى [الأعراف: ٥٤] إنه استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا عليه، وإنه يدنو إلى عباده ويقرب منهم، وينزل إلى سماء الدنيا ويجيء يوم القيامة بعد أن لم يكن جائيا. ثم هؤلاء اختلفوا: هل يقال: تحل الحوادث بذاته؟ فمنهم من يطلقه، ومنهم من لا يطلق ذلك إما لعدم ورود الأثر به، أو لإيهام معنى فاسد ... (١).وببيان هذه المسألة العظيمة، مسألة المضاف إلى الله تعالى يتبين كيف وقع كثير من الطوائف في الانحراف في هذا الباب (٢).

الجهة الثانية: التي نشأ بسببها الخلاف في الصفات الفعلية أو الاختيارية هي: أن الخلق هل هو المخلوق أو غيره؟ وبيان ذلك أنه إذا كان من المتفق عليه بين جميع الطوائف أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض، كما اتفقوا على أن هذه المخلوقات وجدت مخلوقة منفصلة عنه. إلا أنهم اختلفوا في أنه تعالى لما خلقها هل قامت به صفة الخلق، أو أن الخلق هو نفس المخلوق من غير أن تقوم به صفة؟

وارتباط هذه المسألة بحلول الحوادث أو الصفات الاختيارية واضح جدا؛ لأن من المعلوم أن السموات والأرض أو غيرها من المخلوقات ليست مخلوقة منذ الأزل، بل هي حادثة، فحين خلقها الله لابد أن تكون قد تجددت له صفة لم تكن موجودة من قبل، فبخلقه السماء قامت به صفة الخلق لها لأن السماء لم تكن مخلوقة من قبل، ومعنى ذلك حسب تعبير أهل الكلام أن الله حلت به الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل. فالذين يقولون بنفي الصفات الاختيارية ومنع حلول الحوادث أجابوا عن ذلك بأن قالوا إن الخلق هو المخلوق، والفعل هو المفعول، ومعنى ذلك أن صفة الخلق أو الفعل لا تقوم بالله تعالى ويفسرون أفعاله المتعدية مثل قوله: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام: ١] وأمثاله أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة نسبة وهي أمر عدمي لا وجودي، كما يقولون في كلامه واستوائه. وهذا قول الأشاعرة (٣).

أما جمهور أهل السنة فيفرقون بينها ويقولون: الخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول، فيثبتون صفة الخلق والفعل قائمة بالله، ويقولون بوجود المخلوق والمفعول المنفصل عن الله تعالى، ويقولون بإثبات الصفات الاختيارية التي تقوم بالله وتتعلق بمشيئته.


(١) انظر فيما سبق ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٤٤ - ١٥١).
(٢) انظر في مسألة المضافات إلى الله ((الجواب الصحيح)) (١/ ٢٤١ - ٢٤٥)، و ((درء التعارض)) (٧/ ٢٦٣ - ٢٦٦)، و ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٦٦ - ٦٧)) – مخلوف، و ((جواب أهل العلم والإيمان – مجموع الفتاوى)) (١٧/ ١٥٠ - ١٥٢)، و ((مجموع الفتاوى)) (٩/ ٢٩٠ - ٢٩١).
(٣) انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٧٨ - ٣٧٩، ٥٢٨ - ٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>