للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الطوائف الثلاث ردت على ما يقوله الأشاعرة من أن الخلق هو المخلوق، وقول الطائفة الثالثة هو قول أهل السنة الموافق للسمع والعقل.

الفرع الثاني: الأدلة على إثبات الصفات الاختيارية: وهي أدلة كثيرة جدا من الكتاب والسنة وأقوال السلف، تدل على اتصاف الله تعالى بهذه الصفات. وقد أفرد لذلك شيخ الإسلام قرابة مجلد كامل من مجلدات (درء تعارض العقل والنقل) (١)، واشتمل ذلك على: أ- أدلة كثيرة من كتاب الله تعالى (٢).ب- وأدلة من الأحاديث الصحيحة (٣).ج- وأدلة من أقوال أئمة السلف وغيرها (٤).

وهذه الأدلة صريحة في إثبات الصفات الاختيارية القائمة به "كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض، والطي، والإتيان، والمجيء، والنزول، ونحو ذلك، بل والخلق، والإحياء، والإماتة، فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة كالاستواء، وبالأفعال المتعدية كالخلق، والفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم، فإن الفعل لابد له من فاعل، سواء كان متعديا إلى مفعول، أو لم يكن، والفاعل لابد له من فعل، سواء كان فعله مقتصرا عليه أو متعديا إلى غيره، والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله، إذ كان لابد له من الفاعل، وهذا معلوم سمعا وعقلا:

أما السمع فإن أهل العربية التي نزل بها القرآن، بل وغيرها من اللغات متفقون على أن الإنسان إذا قال: "قام فلان وقعد" وقال: "أكل فلان الطعام وشرب الشراب"، فإنه لابد أن يكون في الفعل إلى المفعول به ما في الفعل اللازم وزيادة، إذ كلتا الجملتين فعلية، وكلاهما فيه فعل وفاعل، والثانية امتازت بزيادة المفعول ...

فقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد: ٤] تضمن فعلين: أولهما متعد إلى المفعول به، والثاني مقتصر لا يتعدى، فإذا كان الثاني – وهو قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى – فعلا متعلقا بالفاعل، فقوله خَلَقَ كذلك بلا نزاع بين أهل العربية ....

وأما من جهة العقل: فمن جوز أن يقوم بذات الله تعالى فعل لازم له كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك، لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماتة والإحياء، كما أن من جوز أن تقوم به صفة لا تتعلق بالغير كالحياة، لم يمكنه أن يمنع قيام الصفة المتعلقة بالغير كالعلم والقدرة والسمع والبصر، ولهذا لم يقل أحد من العقلاء بإثبات أحد الضربين دون الآخر ... وإذا كان كذلك كان حدوث ما يحدثه الله تعالى من المخلوقات تابعا لما يفعل من أفعاله الاختيارية القائمة بنفسه، وهذه سبب الحدوث، والله تعالى حي قيوم لم يزل موصوفا بأنه يتكلم بما شاء، فعال لما يشاء، وهذا قد قاله العلماء الأكابر من أهل السنة والحديث، ونقوله عن السلف والأئمة وهو قول طوائف كثيرة من أهل الكلام والفلسفة المتقدمين والمتأخرين، بل هو قول جمهور المتقدمين من الفلاسفة" (٥).

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٣/ ١٢٠٩


(١) من بداية الجزء الثاني إلى (ص: ٣٤٢).
(٢) ((درء التعارض)) (٢/ ١١٥) وما بعدها، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٢٢ - ٢٢٤).
(٣) ((درء التعارض)) (٢/ ١٢٤) وما بعده.
(٤) ((درء التعارض)) (٢/ ٢٠ - ١١٥).
(٥) ((درء التعارض)) (٢/ ٣ - ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>