للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل تعدى الأمر إلى أبعد من ذلك، فلقد أصبح الباطنيون يخوضون مع الصليبيين المعارك الحربية جنبا إلى جنب ضد المسلمين، فعندما عزم الملك العادل نور الدين محمود في عام ٥٤٣هـ توجيه ضرباته إلى الصليبيين ومهاجمة مناطقهم، تعاون الباطنية مع الصليبيين ضد هذا الجهاد، ووقفوا مع الصليبيين ضد حركة نور الدين الجهادية هذه ففي عام ٥٤٤هـ أغار نور الدين محمود على الإقليم المحيط بقلعة حارم على الضفة الشرقية لنهر العاصي، وهي تابعة للصليبيين، وطلب من معين الدين أنر المعونة والمساعدة لقتال الصليبيين، فأمده معين الدين بقوة من فرسانه على رأسهم الأمير مجاهد الدين بزان بن مامين (١) وعندما ترك نور الدين حارم مكتفيا بتدمير ما حولها من ضياع، أخذ يحاصر قلعة أنب (٢)، فلما علم البرنس ريموند صاحب أنطاكية بمحاصرة نور الدين لتلك القلعة، خرج على رأس قوة من رجاله للتصدي لنور الدين وإرجاعه عنها (٣). فالتقى الفريقان في معركة بالقرب من أنب وأحاط نور الدين محمود بريموند ورجاله فأبادهم جميعاً ولم يبق منهم أحداً، وكان من جملة القتلى البرنس ريموند صاحب أنطاكية، ففرح المسلمون كثيراً بقتله ورينو صاحب كيسوم (٤) ومعرش (٥) فضلاً عن عليّ بن وفاء زعيم الباطنية الذي كان مرافقاً للصليبيين ومحارباً معهم في هذه المعركة (٦).استمر زعماء الباطنية في سياستهم المتحالفة مع الصليبيين ولم يتركوا أي فرصة تلوح لعقد أي اتفاق أو تحالف بينهم وبين الصليبيين وكانوا حريصين على ذلك أشد الحرص حتى يعرقلوا أي حركة جهادية يقوم بها المسلمون ضد الصليبيين. ففي أثناء رحلة هنري دي شامبني ملك مملكة بيت المقدس إلى أنطاكية لتصفية النزاع بين أنطاكية وأرمينية اتصل هنري بالباطنية في مناطق نفوذهم، وعقد معهم أواصر التحالف والصداقة، وانتهز زعيم الباطنية فرصة مرور هنري دي شامبني بأراضيه إلى أنطاكية، فحاول أن يجدد ما كان بين الباطنية والصليبيين من تحالف فاعتذر لنهري عن مقتل كونراد دي مونتفرات ودعاه لزيارة الباطنية في حصن الكهف، فحرص الباطنية أثناء تلك الزيارة على أن يبهروا أنظار ملك الصليبيين بقوتهم وثروتهم، فقدموا إليه كثيراً من الهدايا، كما عرضوا عليه محالفتهم واستعدادهم لقتل من يرغب في قتله (٧).يقول دريد عبدالقادر في كتابه (سياسة صلاح الدين): ويعتقد المؤرخ (كاهين) أن هناك علاقة بين الإسماعيلية وجماعة الإسبتاريين الصليبيين الذين أصبحوا حماة الإسماعيلية، وأن أولئك الذين اغتيلوا من الصليبيين إنما كانوا أعداء الإسبتاريين (٨).


(١) ابن القلانسي: ((ذيل تاريخ دمشق)) (ص ٤٧٢).
(٢) أنب: حصن من أعمال أعزار: من نواحي حلب. انظر: ياقوت الحموي: ((معجم البلدان)) (١/ ٢٥٨).
(٣) ابن الأثير: ((التاريخ الباهر)) (ص٩٨ - ٩٩).
(٤) كيسوم: قرية مستطيلة من أعمال سمسياط فيها حصن كبير. ياقوت الحموي: ((معجم البلدان)) (٤/ ٤٩٧).
(٥) مرعش: مدينة في الثغور بين بلاد الشام وبلاد الروم. ياقوت الحموي: ((معجم البلدان)) (٥/ ١٠٧).
(٦) برنارند لويس: ((الحشيشية)) (ص١٢٥ - ١٢٦)، سعيد عاشور: ((الحركة الصليبية)) (٢/ ٦٢٢).
(٧) سعيد عاشور: ((الحركة الصليبية)) (٢/ ٨٧٢ - ٨٧٣).
(٨) من الأدلة التاريخية التي أوردها (كاهين) على إثبات وجود علاقة بين الإسماعيلية والإسبتاريين الصليبيين ما ذكره في كتابه. la Syrie du-nord أ - في منطقة الرها كانت هناك أملاك لفرسان الإسبتارية، وكان للإسماعيلية في الرها أيضاً مركز لدعوتهم وكان ذلك المركز تحت سلطان الإسبتارية إدارياً في القرن ١٣م .. ب - قتل الأمير الصليبي ريموند سنة ١٢١٣م في كنيسة انطرطوس بيد الإسماعيلية الباطنية الذين كانوا مدفوعين من قبل الإسبتارية وكذلك مقتل بوهيموند الرابع الذي قتل بسبب الاختلافات التي كانت بينه وبين جماعة الإسبتارية، الذين استخدموا الإسماعيلية الباطنية لقتله وقد أكد كاهين أن ألئك الإسماعيلية كانوا مع جماعة الإسبتارية حلفاً واحداً ضد المسلمين. انظر دريد عبدالقادر: ((سياسة صلاح الدين في بلاد مصر والشام والجزيرة)) (ص٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>