وأما تسميتهم بالقرامطة ففي سبب ذلك ستة أقوال: أحدها: أنهم سموا بذلك لأن أول من أشير لهم ذلك المحبة " محمد الوراق المقرمط " وكان صوفيا. والثاني: أن لهم رئيسا من السواد من الأنباط يلقب بقرمطويه، فنسبوا إليه. والثالث: أن قرمطا كان غلاما لإسماعيل بن جعفر فنسبوا إليه، لأنه أحدث لهم مقالاتهم. والرابع: أن بعض دعاتهم نزل برجل يقال لهم " كرمية " فلما رحل تسمى قرمط بن الأشعث، ثم أدخله في مذهبه. الخامس: أن بعض دعاتهم رجل يقال له: " كرمية " فلما رحل تسمى باسم ذلك الرجل، ثم خفف الاسم فقيل: قرمط. قال أهل السير: كان ذلك الرجل الداعي من ناحية خوزستان وكان يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل من كسبه، ويحفظ للقوم ما صرموا من نخلهم في حظيرته، ويصلي بأكثر الناس، ويأخذ عند إفطاره من البقال ثم يحاسب على ما أخذ منه ويحط من ذلك ثمن النوى، فسمع التجار الذين صرموا نخلهم، فوثبوا عليه، وضربوه وقالوا: لم ترض بأن أكلت التمر حتى بعت النوى، فأخبرهم البقال في الحال، فندموا على ضربه، وسألوه الإحلال، فازداد بذلك نبلا عند أهل القرية. وكان إذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة. ثم أعلم الناس أن يدعوا إلى إمام من أهل بيت رسول الله، ثم مرض، ومكث مطروحا على الطريق، وكان في القرية رجل يحمل على أثوار له، وكان أحمر العينين، وكان أهل القرية يسمونه "كرميته" لحمرة عينيه، وهو بالنبطية: حار العين؛ فكلم البقال "كرميته" هذا أن يحمل هذا العليل إلى منزله، ويوصي أهله الإشراف عليه والعناية به، ففعل، فأقام عنده حتى برئ، ثم كان يأوي إلى منزله. ودعا أهل القرية إلى أمره فأجابوه. وكان يأخذ من الرجل إذا دخل في دينه دينارا، ويزعم أنه يأخذ ذلك للإمام. فمكث يدعو أهل القرى فيجيبونه، واتخذ منهم اثني عشر نقيبا، وأمرهم أن يدعو الناس إلى دينه، وقال لهم:" أنتم كحواري عيسى بن مريم عليهما السلام "، فشغل أَكَرَة تلك الناحية عن أعمالهم، لما رسمه لهم من الخمسين صلاة التي ذكر أنها فرضت عليهم. وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع فوقف على تقصير أَكَرَته في العمارة، فسأل عن ذلك، فأخبر أن رجلا قدم عليهم فأظهر لهم مذهبا من الدين، وأعلمهم أن الله عز وجل قد افترض عليهم خمسين صلاة في اليوم والليلة وقد اشتغلوا بها، فوجه إليه، فجيء به، فسأله عن أمره، فأخبره بقصته، فحبسه في بيت وحلف بقتله، وأقفل عليه الباب، وترك المفتاح تحت وسادته، ونام، فرقت له جارية فأخذت المفتاح وأخرجته، ثم أعادت المفتاح إلى موضعه، فلما أصبح الهيصم فتح الباب فلم يجده، فشاع ذلك الخبر، فعبر به أهل تلك الناحية وقالوا: قد رفع!! ثم ظهر في موضع آخر، ولقي جماعة من أصحابه فسألوه عن قصته فقال: ليس يمكن أحد أن يؤذيني. ثم خاف على نفسه وخرج إلى الشام، وتسمى باسم الرجل الذي كان في منزله "كرميته" ثم خفف فقيل "قرمط". وفشا أمره وأمر أصحابه، وكان قد لقي صاحب الزنج، فقال له:" أنا على مذهب ورائي مائة ألف سيف فناظرني، فإن اتفقنا ملت بمن معي إليك، وإن تكن الأخرى انصرفت"، فناظره، فاختلفا، ففارقه.