في هذا الوقت كانت حركة الزنج قائمة في جنوبي العراق وقد سيطرت على مدينة البصرة وامتد نفوذها واستطاعت الانتصار على الجيوش العباسية في عدد من الوقائع رغب (حسين الأهوازي) أن يشارك في هذه الحركة كمرحلة من مراحل عمله إذ لا يستطيع وحده آنذاك أن يقوم بعمل مثمر والحركات الانتهازية دائما يستغل بعضها بعضا أو يركب بعضها طريق الآخر حتى إذا تم له ما يريد انفرد وحده فالغاية عندهم تبرر الواسطة فالتقى حسين الأهوازي بصاحب الزند عام ٢٦٦هـ وعرض عليه المساعدة مادامت الغاية واحدة والوسيلة واحدة إلا أن صاحب الزنج قد عرف رغبة الأهوازي في سرقة الثورة فرفض المساعدة حيث كان الزنج في أوج القوة التي وصلت إليها حركتهم فلم يبالوا بالعون.
لم تلبث حركة الزنج أن فشلت وقضى عليها العباسيون بعد أن عرفوا الأسباب التي دعت إليها فعندما حاولوا التخلص منها ودعوا إلى تطبيق الإسلام الذي يقضي عليها ووجد الدواء لها انفرط عقد الزنج وتخلص العباسيون من حركتهم عندما هدأت الأوضاع استطاع (حسين الأهوازي) أن يجدد نشاطه وأن يقنع أتباعه ويمنيهم بأنهم سيملكون الأرض وفرض دينارا على كل من أجابه لدعوته ليضمن نظمهم ووضع عنهم الصوم والصلاة والفرائض جميعا وأحل لهم أموال المخالفين لهم ودماءهم وأعراضهم ونظمهم تنظيما دقيقا إذ جعل منهم اثني عشر نقيبا وكان من أبرزهم (قرمط حمدان بن الأشعث).
مات (الأهوازي) فخلفه في رئاسة الدعوة (القرمطي حمدان بن الأشعث) فابتنى لأتباعه دارا للهجرة في سواد الكوفة عام ٢٧٧هـ وسار على طريقة أستاذه الأهوازي وهكذا أصبح للدعوة القرمطية يؤمونه وقاعدة يمكنهم الانطلاق منها اختار القرمطي دعاته وكان من أشهرهم ابن عمه وصهره (عبدان) وهو الذي نسبت إليه كثير من كتب القرامطة و (زكرويه بن مهرويه) الذي أخذ الدعوة عن أبيه كما ورث عنه ما كان يشغل باله في القضاء على الإسلام وتأسيس أسرة فارسية يعود إليها الحكم و (أبو الفوارس) الذي قاد ثورة القرامطة عام ٢٨٩هـ.
فرض القرمطي على أتباعه مبالغ عليهم أن يدفعوها وتصرف في هذه الأموال فجذب إليه الفقراء الذين قدم إليهم المساعدات واشترى السلاح فأخاف ني فالتحقوا بدعوته تخلصا من شره وطمعا في الغنائم التي مناهم بالحصول عليها من أموال المخالفين له وربما كان يعمل هذا القرمطي لنفسه أو أنه مقتنع بالعمل لإمامة الإسماعيلية الذين سيعملون بدورهم للغاية التي يعمل هو لها أو هكذا كان يظن.
كان القرامطة دعاة للإسماعيلية ثم انحرفوا عنهم عندما علموا أن الدعوة في السلمية لم تعد لأولاد محمد بن إسماعيل وإنما لأولاد عبدالله بن ميمون القداح وأصبح الاختلاف واضحا بين الفريقين في الوسائل التي اتخذوها وفي العقائد التي غدت للقرامطة وعدهم الإسماعيلية ملاحدة.
كان أتباع قرمط يتلقون التعليمات من السلمية ويسيرون حسبها بشكل دقيق ومنتظم وذات مرة أرسل قرمط رسوله إلى مقر الدعوة في السلمية والتقى الرسول هناك بصاحب الدعوة الأول وبينما كان الحديث يدور بينهما عن الإمام المنتظر إذ أجيب الرسول أن هذا الموضوع إنما هو خرافة والدعوة هي لأولاد عبدالله بن ميمون إذ ظن صاحب الدعوة الأول أن القرامطة قد التزموا بالخط تماما وأنهم أصبحوا مرتبطين به بشكل أكيد وقد آن له أن يفاتحهم بالأمر.