وعندما قتل أولاد زكرويه خرج أبوهم من مخبئه الذي اختفى فيه مدة تقرب من ثلاث سنوات وعندما ظهر للناس سجد له أتباعه المقربون من الذين يبطنون المجوسية وهذا دليل على تأليه القرامطة لدعاتهم فأرسل زكرويه أتباعه إلى بلاد الشام فأمعنوا في القتل واعترض طرق القوافل والحجاج وارتكبوا من الفواحش ما يصعب وصفه وحاصروا مدينة دمشق ولكنهم عجزوا عن فتحها وأخيرا هزم زكرويه وقتل عام ٣٠١هـ بعد أن عاث في الأرض الفساد وتشتت أتباعه فمنهم من انتقل إلى البحرين الذين تجمعهم بهم رابطة الفكر ومنهم من اختفى ثم تحالف مع القبائل الضاربة في البوادي والقفار أو سار إلى أماكن نائية حيث ضاع فعله وعاش في عداد السكان الآخرين.
المصدر:القرامطة لمحمود شاكر – ص:٥٥
قرامطة البحرين
إن أول ما عرفت فكرة القرامطة في البحرين وإن لم تسم بهذا الاسم إذ لم يكن حمدان بن الأشعث القرمطي قد عرف بعد وأصبح رأس جماعة نسبت إليه أول ما عرفت تلك الفكرة كانت على يد شخص نزل البحرين وأعطى نفسه اسم يحيى بن المهدي فأظهر التشيع في بداية الأمر ثم أعلن أنه المهدي المنتظر فظهر أمره وأجابه عدد كبير إذ انضم إليه السوقة ومن ساءت حالتهم المعاشية وعدد من الشباب الذي أغراهم بالنساء التي جعلها مباحة بينهم كما مناهم بالمال وامتلاك الأرض وهيأ لهم طريق الشهرة بالقوة التي أظهرها إذ زاد عددهم وبدا لهم أنهم أصبحوا جماعة يخشى جانبها وكانت الدولة العباسية قد بدأت في مراحل ضعفها وشغلت بمشكلاتها الكثيرة والجنود هم الذين يسيطرون عليها ولا يهمهم سوى مصلحتهم الخاصة وتأمين أهوائهم والسير وراءها والناس في ترف فكري أشغلهم علم الكلام وزاد ترفهم القعود عن الجهاد وإهمال الحكم لهم لذا كان العوام يسيرون وراء كل من يحقق لهم مصالحهم أو يدعي أنه يعمل لذلك. وكان من الذين اتبعوا يحيى بن المهدي رجل اشتهر أمره كثيرا وهو الحسن بن بهرام الذي عرف باسم أبو سعيد الجنابي ويعود في أصله إلى فارس أيضا فهو من أهل (جنّابا) قرب سيراف وقد نزل البحرين منفيا من بلاده ويعمل بالفراء وينتقل من البحرين إلى سواد الكوفة وصحب عبدان أو حمدان وتأثر به وعندما عاد إلى منطقته بدأ يدعو إلى القرامطة كأنصار لرفاقهم في جنوبي العراق وعندما تجمع حوله عدد من الاتباع بدأ يعيث ورفاقه في الأرض الفساد فقتلوا وسبوا في بلاد هجر كثيرا عام ٢٨٦هـ إذ قتل من حوله من أهل القرى ثم سار إلى القطيف فقتل من بها وأظهر أنه يريد البصرة فجهز إليهم الخليفة العباسي جيشا كثيفا جعل عليه العباس بن عمر الغنوي فانتصر عليه القرامطة وأسروا الجيش كله واستمر نشاطهم حتى عام ٣٠١هـ حيث قتل أبو سعيد الجنابي على يد خادمه بالحمام خارج الحمام وهمس في أذن رجل عظيم من رؤسائهم فقتله وخرج ودعا آخر من عظمائهم وفعل معه فعلته الأولى إلى أربعة منهم فلما استدعى الخامس فطعن لذلك فمسك يد الخادم وصاح فاجتمع النساء والرجال وحصل بينهم وبين الخادم مناظرات وقتلوه (١).
(١) ((تاريخ أخبار القرامطة)) لابن سنان تحقيق سهيل زكار (ص: ٣٦)