للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"والنصيرية في الوقت الحاضر لا تنكر هذا الاعتقاد مطلقا, بل لا تزال تؤمن به وتبرره بكل ما يعنيه هذا الاعتقاد من كفر وإنكار يقول هاشم عثمان النصيري: "إن إنكار وجود البعث شيء طبيعي وهو كان ذائعاً في العصر العباسي قبل ظهور اصطلاح النصيرية (١) ". وكأن وجود هذا الاعتقاد يبرر إنكار النصيرية للبعث والنشور.

والواقع أن اعتقاد التناسخ بكل صوره وأشكاله, يهدم ركنا هاما من أركان الإيمان في الإسلام وهو الإيمان باليوم الآخر بما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار وعدم الإيمان بالآخرة يخرج الإنسان من طريق الإسلام, وهذا واضح في كثير من آيات القرآن الكريم منها قوله تعالى لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: ١٧٧] ِ, وقوله تعالى وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء: ١٣٦] ووصف الله هذا اليوم بوصف دقيق في كثير من الآيات والسور كقوله تعالى يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٦ - ٨] فكيف بنا فيمن يعتقد بالتناسخ والذي جاء الإسلام لإزالته, كما أزال باقي الاعتقادات الوثنية والإلحادية, أما الآيات التي يستدلوا بها على هذا الاعتقاد الفاسد فهو نوع من المغالطة والتأويل بالرموز والألغاز, والإسلام بريء من هذا لأنه دين الوضوح بلا لبس ولا غموض. ونستطيع أن نقول بكل تأكيد أن التناسخ مرتبط باعتقادات كثيرة كانت سائدة قبل الإسلام في فارس والهند واليونان, وما يقول الدكتور محمد كامل حسين: "فإن لهذه العقيدة علاقة بمذهب التناسخ في الديانة البوذية, والديانة الهندوكية", ففي الديانة البوذية ظهر بوذا على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور أنسية حوالي ألف مرة, وفي الديانة الهندوكية ظهر شيفا على صور إنسانية عديدة. كذلك ظهر مذهب التناسخ عند فلاسفة اليونان وكانوا يعتقدون بظهور آلهتهم بصورة مختلفة, وكان فيثاغورس أحد فلاسفتهم يدرس هذه الفكرة لأتباعه, بل إنه كان يؤمن بقرابة الإنسان والحيوان" (٢).

المصدر:الحركات الباطنية في العالم الإسلامي لمحمد أحمد الخطيب - ص٣٥٥


(١) ((العلويون بين الأسطورة والحقيقة)) هاشم عثمان (ص٧٧).
(٢) انظر ((البوذية وتأثيرها في الفكر والفرق الإسلامية المتطرفة)) محمد علي الزعبي وعلي زيعور (ص١٤٧ - ١٤٩) , وكتاب ((طائفة الدروز)) محمد كامل حسين (ص ١٠٩) وكتاب ((هيراقليطس فيلسوف التغير وأثره في الفكر الفلسفي)) , د. علي النشار ورفاقه (ص٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>