للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية: الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى؛ بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها؛ يدعون أنها علم الباطن؛ من جنس ما ذكره السائل ومن غير هذا الجنس؛ فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه؛ إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم: إن " الصلوات الخمس " معرفة أسرارهم و " الصيام المفروض " كتمان أسرارهم " وحج البيت العتيق " زيارة شيوخهم وأن (يدا أبي لهب) هما أبو بكر وعمر وأن (النبأ العظيم والإمام المبين) هو علي بن أبي طالب؛ ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين؛ كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم؛ وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام. وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم. ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائما مع كل عدو للمسلمين؛ فهم مع النصارى على المسلمين. ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى؛ بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار. ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين فإن ثغور المسلمين ما زالت بأيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص يسر الله فتحها عن قريب وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين " عثمان بن عفان " رضي الله عنه فتحها " معاوية بن أبي سفيان " إلى أثناء المائة الرابعة. فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل؛ ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره؛ فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك؛ ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين الشهيد وصلاح الدين وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم وفتحوا أيضا أرض مصر؛ فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية. ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم؛ فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو " النصير الطوسي " كان وزيرا لهم بالألموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>