للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عبد أمير المؤمنين ومملوكه حمزة بن علي بن أحمد هادي المستجيبين، المنتقم من المشركين بسيف أمير المؤمنين وشدة سلطانه، ولا معبود سواه، إلى أحمد بن محمد بن العوام، الملقب بقاضي القضاة، أما بعد: فقد تقدمت لنا إليك رسالة نسألك عن معرفتك بنفسك، فقصرت عن الإِجابة، قلة علم منك بالحق وإهجانا به، وكيف يجوز لك أن تدعي هذا الاسم الجليل وهو قاضي القضاة، وليس لك علم بحقائق القضايا والأحكام، فقد صح بأنك مدع لما أنت فيه، فيجب عليك أن تعلم نفسك وتدربها، فإن كنت قد جهلتها فأنت فرعون الزمان، وفعلك لاحق بعثمان بن عفان، فيجب عليك أن تقلع عما أنت فيه، وتتبع سير أصحابك المتقدمين أبي بكر وعمر (١)، وتزيل تلثيمة البياض عن رأسك والعمامة والطيلسان، وتلبس دنية سوداء بشقائق صفر طوال مدلاة على صدرك، وتلبس درَّاعة بلا جيب، بل تكون مشقوقة الصدر، وتكون مرقعة بالأحمر، والأصفر، والأديم الأسود الطائفي، وتكون قصيرة عليك لتلحق في الشكل بعمر بن الخطاب، ويكون لك درة على فخذك لتقيم بها الحدود على من تجب عليه وأنت جالس في الجامع، ويكون لك في كل سوق صاحب يتزين بزيك وبيده درة يقيم بها في سوقه الحدود على من وجبت عليه مثل الزاني والسارق والقاذف وشارب الخمر، ممن هو من أهل ملتك، وتكون تتولى الخطبة بنفسك، وتطلع على المنبر بلا سيف تتقلد به، ويكون ممرك ومجيئك من دارك إلى الجامع، وأنت ماش حافيًا لتكون في ذلك لاحقًا بأصحابك المتقدمين أبي بكر وعمر. وإياك ثم إياك أن تنظر لموحد في حكم لا أنت ولا عادلتك، في شهادة نكاح ولا طلاق، ولا وثيقة، ولا عتق، ولا وصية، ومن جلس بين يديك على حكم فتسأل عنه أن يكون موحدًا فترسله إليّ مع رجالتك لأحكم أنا عليه بحكم الشريعة الروحانية (٢)، التي أطلقها أمير المؤمنين سلامة علينا، فانظر لنفسك فقد أعذرتك مرة بعد أخرى وأنذرتك) (٣).وإلى هذه الرسالة يشير حمزة في رسالة (البلاغ والنهاية) فيقول: (وقد أرسلت إلى القاضي عشرين رجلاً إلى الحضرة (٤) اللاهوتية، فأبى القاضي واستكبر، وكان من الكافرين، واجتمعت على غلماني ورسلي الموحدين لمولانا جل ذكره، زهاء مائتين من العسكرية والرعية، وما منهم رجل إلا ومعه شيء من السلاح فلم يقتل من أصحابي إلا ثلاثة نفر وسبعة عشر رجلاً من الموحدين، في وسط مائتين من الكافرين (٥)، فلم يكن لهم إليهم سبيل حتى رجعوا إلى عندي سالمين) (٦).وفي ختام هذا الفصل نقف وقفة طويلة مع رسالة حمزة بن علي بن أحمد الموسومة (بكتاب فيه حقائق ما يظهر قدام مولانا جل ذكره من الهزل)، وقد رأيت أن أنقل هنا نص هذه الرسالة، ليتبين لنا مدى تأثر العقيدة الدرزية بأفعال وأقوال الحاكم، والتي يعتبرونها دليلاً على ألوهيته، حيث تلمس لها حمزة تأويلات باطنية، (واتخذ منها دلالات على صدق ألوهية الحاكم، وأن كل ما أتى به الحاكم هو رمز وإشارة وله تأويل باطني لا يفقهه الناس) (٧)،


(١) والملاحظ هنا، أن حمزة بن علي، مع طعنه بعثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد طلب من هذا القاضي أن يتشبه في زيه وعلمه بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا يخلو نصحه هذا من تبكيت وغمز بعمر وأبي بكر.
(٢) ومن هنا يظهر أن حمزة بن علي فرق بين (جماعته) من جهة، وبين السنة والشيعة من جهة أخرى، وذلك من منعه للقاضي أن يقضي بين الموحدين.
(٣) ((الرسالة المنفذة إلى القاضي أحمد بن العوام)).
(٤) هكذا وردت في المخطوط، ولعله يقصد (من).
(٥) ويبدو أنه يشير إلى ثورة الناس على أتباعه، وقتلهم لهم، والنجاء الباقي إلى الحاكم.
(٦) ((رسالة البلاغ والنهاية في التوحيد)).
(٧) د. محمد كامل حسين ((طائفة الدروز)) (ص ٤٤) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>