للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ – أنها لما رأت أعمال الحاكم الشنيعة، خافت أن يخرب بيت الخلافة الفاطمية على يديه، فقد كرهته قبيلة كتامة صاحبة الفضل الأكبر في قيام الدولة الفاطمية في المغرب، والتي كانت لها مكانة عالية في مصر بعد فتحها، بسبب إعدامه لكثير من وجهائها، وحده من نفوذها، كما كرهه أهل مصر لتصرفاته الشاذة، وكرهه الجند أيضًا بسبب تصرفاته مع قوادهم، ومعهم أنفسهم.٢ – أنها خافت على نفسها من بطشه، إذ اتهمها بسوء سلوكها مع الرجال، وما أيسر أن ينفذ وعيده لها، لهذا آثرت أن تقضي عليه قبل أن يقضي عليها) (١).وتؤكد الروايات التاريخية هذين الأمرين، ومما أورده المؤرخون ما نقله ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة عن ابن الصابئ: (أن الحاكم لما بدت عنه هذه الأمور الشنيعة استوحش الناس منه، وكان له أخت يقال لها ست الملك، من أعقل النساء وأحزمهن، فكانت تنهاه وتقول: يا أخي، احذر أن يكون خراب هذا البيت على يديك. فكان يسمعها غليظ الكلام ويتهددها بالقتل، وبعث إليها يقول: رفع إلي أصحاب الأخبار أنك تدخلين الرجال إليك وتمكنينهم من نفسك، وعمل على إنفاذ القوابل لاستبرائها، فعلمت أنها هالكة) (٢).ويضيف ابن الجوزي في المنتظم: (وراسلت ست الملك قائدًا يقال له: ابن دواس (من شيوخ كتامة)، كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله، فقالت: إني أريد أن ألقاك، إما أن تتنكر وتأتيني، وإما أن أجيء أنا إليك فجاءت إليه، فقبل الأرض بين يديها وخلوا، فقالت له: لقد جئتك في أمر احرس نفسي ونفسك، فقال: أنا خادمك، فقالت: أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك، وأنه متى تمكن منك لم يبق عليك، وأنا كذلك، ونحن معه على خطر عظيم، وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به، وهتكه الناموس الذي قد أقامه آباؤنا، وزيادة جنونه، وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله، فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا وتنقضي هذه الدولة أقبح القضاء. قال: صدقت فما الرأي؟ قالت: تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السر وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل، فقال لها: السمع والطاعة، فتحالفا على قتله وأنهما يقيمان ولده مقامه، وتكون أنت صاحب جيشه ومديره، وقالت: اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما في مهمك) (٣).ويقول ابن كثير: (فجهز من عنده عبدين أسودين شهمين، وقال لهما: إذا كانت الليلة الفلانية فكونا في جبل المقطم، ففي تلك الليلة يكون الحاكم هناك في الليل لينظر في النجوم، وليس معه أحد إلا ركابي وصبي، فاقتلاه واقتلاهما معه، واتفق الحال على ذلك ... وفي تلك الليلة ركب وصحبه صبي وركابي، وصعد جبل المقطم فاستقبله ذانك العبدان فأنزلاه عن مركوبه وقطعا يديه ورجليه، وبقرا بطنه، فأتيا به مولاهما ابن دواس، فحمله إلى أخته فدفنته في مجلس دارها، واستدعت الأمراء والأكابر والوزير وقد أطلعته على الجلية، فبايعوا لولد الحاكم أبي الحسن علي، ولقب بالظاهر لإعزاز دين الله) (٤).ولكن ابن الأثير يقول: (أنه توجه إلى شرقي حلوان (٥) ومعه ركابيان فأعادت أحدهما مع جماعة من العرب إلى بيت المال، وأمر لهم بجائزة، ثم عاد الركابي الآخر، وذكر أنه خلفه عند العين والمقصبة.


(١) د. عبد الرحمن بدوي: ((مذاهب الإسلاميين)) (٢/ ٦٠٩).
(٢) ابن تغري بردي: ((النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)). (٤. / ١٨٦).
(٣) ابن الجوزي: ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)). (٧. / ٢٩٨، ٢٩٩).
(٤) ابن كثير: ((البداية والنهاية)) (٦ الجزء ٢٢/ ١٠).
(٥) قرية من أعمال مصر، بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين، مشرفة على النيل، وكان أول من اختطها عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر. انظر معجم البلدان، ج ٢، ص ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>